5 طرق لإعادة المستثمرين إلى مصر

TT

ماذا ينتظر المستثمرون من انتقال السلطة في مصر؟

يستهدف المستثمرون العالميون الاقتصادات التي تمتاز بالثقة والمصداقية، انطلاقا من الحاجة إلى حماية رؤوس أموالهم. ولئن برهنت المؤسسة العسكرية المصرية على أنها تستطيع فرض الأمن وحماية الدولة وإشاعة الشعور بالأمان، إلا أنه يتعين على الحكومة المصرية أن تشيع الثقة بالنظام الجديد من خلال اتخاذ إجراءات ملموسة.

ومع أن الولايات المتحدة كانت الحليف الرئيسي لمصر مبارك، إلا أنها فشلت في تحقيق أي تقدم اقتصادي يذكر في هذا البلد الشمال أفريقي منذ الثمانينات. بل إن المساعدات الأميركية التي تلقتها مصر على مدى عقود، أسهمت في نشوء طبقة طفيلية من المنتفعين الذين أنهكوا الاقتصاد، لدرجة أنه بات اليوم في أمس الحاجة إلى إيجاد وسائل مبتكرة تعيد الزخم إلى محركات نموه.

وفي هذا الإطار، يمكن طرح السؤال التالي: لماذا يبلغ إجمالي الناتج المحلي التركي نحو أربعة أضعاف نظيره المصري، مع أن عدد سكان تركيا أقل بقليل من عدد سكان مصر؟ تكمن الإجابة في خمس عقبات يتعين على النظام المصري الجديد أن يبادر إلى إزالتها فورا.

أولا: لا بد من رسم حدود واضحة للعلاقة بين السلطة والثروة لأن رأسمالية المحسوبيات طبعت العلاقة بين النظام الحاكم ورجال الأعمال منذ السبعينات، وازدادت قوة في عهد مبارك. فقد انتشرت المحسوبية على نطاق واسع في عهد الرئيس السابق حسني مبارك واستغلها جميع كبار رجال الأعمال، بمن فيهم أولئك الذين يروجون اليوم لقيم الديمقراطية. مع ذلك، ينبغي على النظام الجديد أن يتوخى الحذر لتفادي ملاحقة أبرياء قد تعتمد البلاد عليهم في انتعاش اقتصادها.

بعد الإطاحة بالرئيسين فيردناند ماركوس في الفلبين وسوهارتو في إندونيسيا، أطلقت عمليتان طويلتان لمكافحة الفساد في هذين البلدين. لكن القضاء برأ الكثير من رجال الأعمال المنتفعين من نظامي ماركوس وسوهارتو. وفي الحقيقة، ثبت أن رجال الأعمال المحسوبين على أي نظام لا يخرقون القوانين، في الغالب. بالتالي، يتعين على الحكومة المصرية أن تتحلى بالحكمة والرصانة إزاء مطلب المحتجين بمعاقبة المحسوبين على نظام مبارك.

ويتمثل التحدي الثاني في إدارة الاقتصاد المصري بفاعلية. لذا، لا بد من بذل الجهود اللازمة لإنعاش القطاع الخاص. ويتعين على البنوك أن تدعم هذه الجهود من خلال منح قروض أقل إلى الشركات الكبيرة والقوية وزيادة القروض الممنوحة للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وتعد السياحة والخدمات وبعض الصناعات من أنجح الأنشطة الاقتصادية في مصر. بالتالي، تستطيع الدولة المصرية البناء على هذه الأفضليات والبدء بتعزيز الفرص المتاحة لصغار رجال الأعمال الراغبين في تأسيس شركات سياحية صغيرة.

أما التحدي الثالث الذي تواجهه مصر، فهو رفع معدلات نمو التوظيف. إذ تحتاج البلاد حاليا إلى توفير ما بين 650 ألفا و700 ألف فرصة عمل جديدة سنويا، ولكنها لا توفر إلا نحو أقل من نصف هذه الكمية. وحتى عندما كان نمو الاقتصاد المحلي قويا، فشل القطاع الخاص المصري في توفير ما يكفي من فرص العمل الجديدة. وتعاني سوق العمل المصرية أيضا من نقص في العمالة الماهرة وفائض في العمالة غير الماهرة. كما شهدت البلاد مؤخرا انتشارا واسعا للبطالة المقنعة وتزايدا في نسبة العاملين الذين يتقاضون أجورا زهيدة.

قد يستحيل على الاقتصاد المصري أن يوفر ما يكفي من فرص العمل الجديدة في المديين القريب والمتوسط. ذلك لأن استيعاب جميع العاطلين عن العمل والأعداد الإضافية من الباحثين عن عمل يتطلب من الاقتصاد المصري أن ينمو بمعدل سنوي قدره 11 في المائة. لكن في السنوات القليلة الماضية، تراوح معدل نمو الاقتصاد المصري ما بين 5 في المائة و7 في المائة، فعجز عن توفير نصف كمية فرص العمل الجديدة اللازمة لمكافحة البطالة بفاعلية. وفي هذه الأثناء، ازدادت الفوارق بين مداخيل المواطنين وتأجج شعورهم بالغبن وعدم المساواة.

ويتمثل التحدي الرابع في التوزيع العادل للثروة. هنا، يتعين على المجتمع المصري أن يدرك أن بناء الاقتصاد أصعب بكثير من مجرد الإطاحة برأس النظام. فالتضخم، وخصوصا تضخم أسعار الأغذية، مشكلة مزمنة لا بد من معالجتها لأنها تمس ذوي الدخل المحدود. ومن المحير أيضا أن ترتفع أسعار الأغذية بنسبة 18 في المائة في بلد يمتلك قطاعا زراعيا قويا يسهم بجزء مهم من نموه الاقتصادي.

ارتفع التضخم مؤخرا إلى مستويات لا تطاق بالنسبة لمعظم المصريين، لأن القيمة الحقيقية لمداخيلهم انخفضت بشكل حاد. في الوقت ذاته، تضاعفت ثروة الطبقة الغنية التي تمثل 20 في المائة من السكان وتقلصت الطبقة المتوسطة؛ ما يعني أن تحقيق التوزيع العادل للثروة سيستغرق بعض الوقت.

خامسا: الإجراءات البيروقراطية المعقدة التي تعوق النمو. في خطابه السياسي الذي ألقاه في عام 1989، قال الرئيس السابق حسني مبارك إن البيروقراطية المصرية «تسعى لجعل السهل صعبا والممكن مستحيلا». وتمثل الإجراءات البيروقراطية وتداخل الصلاحيات المنوطة بالوزارات مشكلة هيكلية بلا حلول سريعة.

لقد قارن أناس كثيرون الثورة المصرية بسقوط جدار برلين في عام 1989، لكن القليل من الناس يتذكرون أن البهجة لم تدم طويلا في ألمانيا الغربية لأن تكاليف إعادة توحيدها كانت باهظة. كما أن مصر ليست شطرين أحدهما فقير والآخر غني.

والأهم من هذا كله هو حقيقة أن مصر تحتاج إلى زعيم من عيار مانديلا.. زعيم قادر على توحيد البلاد وتحقيق الازدهار بصبر وثبات. وحتى في حال ظهور مثل هذا الزعيم - ولا توجد أي مؤشرات على ذلك حتى اللحظة - فإن مسيرة الازدهار لن تكون سهلة.

* مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك

السعودي الفرنسي