.. ولذيذ لآخر قطرة!

TT

التعامل الغربي مع الرئيس الليبي مقزز، فبينما «انفلت» الزعماء الغربيون الواحد تلو الآخر يصرون ويلحون ويؤكدون على ضرورة وأهمية مغادرة الرئيس المصري لمنصبه وبشكل فوري وغير قابل للنقاش، كان نفس الأشخاص يلتزمون الصمت التام أو في أضعف الأحوال يطلقون تصريحات مبهمة ولا معنى لها عن طريق مسؤولين ثانويين في إداراتهم. السر طبعا أن تونس ومصر كانتا دولا غير نفطية، بينما ليبيا تحتل موقعا مهما من الدول المنتجة للنفط و«نوعية» النفط الذي تصدره هي أحد أهم وأفضل الأنواع لأن تحويله في المصافي هو الأقل تكلفة والأجود نوعية ويلبي نهج واحتياجات القارة الأوروبية الجارة بشكل أساسي ومناسب.

ليبيا هي صاحبة الاحتياطي النفطي الأكبر في القارة الأفريقية تليها كل من نيجيريا والجزائر، ولديها احتياطي مثبت يقدر بـ46.4 بليون برميل وذلك في تاريخ 2011، و80 في المائة من هذا الاحتياطي يقع في منطقة سرت الاستراتيجية، وتنتج ليبيا 1.65 مليون برميل يوميا، وذلك بحسب حصتها ونصيبها كعضو في منظمة «أوبك»، وتصدر 1.5 مليون منها، لأن الاستهلاك المحلي قليل ومحدود، وتشكل السوق الأوروبية 80 في المائة من استهلاك ما تصدره ليبيا، وتحديدا إيطاليا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا، وزاد طلب الولايات المتحدة الأميركية من الزيت الليبي حتى وصل إلى 71 ألف برميل يوميا.

ولكن الكعكة الاقتصادية الليبية كانت كبيرة ومهمة، فمكتب هيئة الاستثمارات الليبية كان يوجه الأموال باتجاه استثمارات مختلفة، مثل مساهمات في شركات إيطالية لتصنيع السيارات، وشراء حصة في بنوك هولندية وبلجيكية، وفي أندية إيطالية لكرة القدم، بالإضافة لسلسلة من المصارف بأسماء «مختلفة» ولكنها معروفة بأنها تصب في صالح النظام الليبي نفسه.

وطبعا هناك «كعكة» التنقيب النفطي الكبرى التي كانت تمنح لشركات النفط الكبرى من العالم الغربي، وتحديدا الشركات الأميركية والبريطانية والفرنسية والإيطالية.. كلها كانت تحصل على شروط ميسرة ومزايا مغرية تفوق تلك التي كانت تمنح للشركات الروسية والصينية والتركية والكورية مثلا. الكل كان «يتجمل» و«يتغاضى» عن تصرفات القذافي وأسرته، حتى جامعة بريطانية محترمة التي منحت ابن القذافي شهادة عليا وقبلت منه «تبرعا» بمليون ونصف المليون جنيه إسترليني تجد نفسها الآن محرجة بضرورة رد المبلغ فورا والدفاع عن نفسها والتبرير عن فعلتها تلك، كل هذا التغاضي كان من أجل كعكة ليبيا المالية المغرية.

حتى شركات عملاقة من كوريا اضطرت «لقبول» تصرفات القذافي و«هذيانه» الاقتصادي والاقتناع منه بإمكانية إنشاء نهر مماثل لنهر النيل يخترق الصحراء الليبية من جنوبها لأقصى شمالها، وكان المشروع الوهمي الخيالي «النهر الصناعي العظيم» الذي ضاعت فيه مئات الملايين من أرزاق وقوت الليبيين لحاقا بهلوسة القذافي التي لا حدود لها. الكل متورط في محاباة القذافي وتحويله إلى هذا الوحش الذي يفتك بشعبه اليوم. الكل كان يعلم أنه شخصية غير سوية، ولكن لأجل عيون النفط كان التحمل، ليثبت للعالم أن «الدم» ممكن أن يختلط بالزيت بلا مشكلات.

كان العالم ينتفض جراء الدم الذي يسيل بسبب إنتاج الماس بدماء العمالة المطحونة والمقتولة، فأصدر العالم قانون كمبرلي يمنع ذلك. اليوم العالم مطالب بمنع استغلال النفط للمصالح السياسية.

[email protected]