الامتحان الكبير لإخوان مصر

TT

منذ اندلاع ثورة تونس ثم مصر واتساع العاصفة لتشمل دولا أخرى، والأسئلة لا تتوقف حول الإخوان المسلمين ودورهم في المرحلة المقبلة، ما بين محذر من تنامي نفوذهم وتحركهم لاختطاف الثورات، ومبشر بأن الجماعة استوعبت دروس الماضي وتتحدث اليوم عن التناوب السلمي الديمقراطي على السلطة والدولة المدنية. فمسألة مشاركة الإخوان في العمل السياسي ظلت تطرح إشكالية وتثير جدلا منذ فترة طويلة، خصوصا أن بعض شعاراتهم وممارساتهم جعلت الكثيرين يرون فيهم حركة تسعى إلى قلب أنظمة الحكم القائمة أو تسلقها لتحقيق هدف الانفراد بالسلطة وإقامة دولة ثيوقراطية، وبالتالي فإنهم حتى عندما يتحدثون عن الديمقراطية فإن كلامهم مشكوك فيه؛ لأنهم لا يؤمنون بالتداول السلمي للسلطة.

هناك بالطبع من يرد على ذلك بالقول: إن الحركات الإسلامية كانت ضحية أيضا وإنها حتى عندما حاولت العمل تحت مظلة الشرعية فإنها حرمت من الوصول إلى السلطة ديمقراطيا، مثلما حدث في الجزائر في بداية التسعينات من القرن الماضي. لكن هؤلاء لا يذكرون أن بعض قيادات جبهة الإنقاذ كانت تدلي بأحاديث تشكك في إيمانها بالديمقراطية، مما أثار مخاوف الكثيرين وأعطى العسكريين مبررا لإلغاء نتيجة الانتخابات وقطع التجربة التعددية. كذلك ينسى هؤلاء أنه قبل انتخابات الجزائر بأشهر عدة انقض الإسلاميون على حكومة منتخبة ديمقراطيا بانقلاب عسكري في السودان وفرضوا حكما يقوم على القبضة الأمنية وسياسات القمع، وجد تأييدا من بقية الحركات الإسلامية في المنطقة. يومها سقط الإسلاميون في امتحان الديمقراطية ورسخوا عند كثيرين النظرة بأنهم لا يؤمنون بها ولا بالتناوب السلمي عليها، وحتى إن أيدوها تكتيكيا وتمكنوا من الوصول إلى السلطة عبرها فإنهم لن يغادروها وفق قاعدة التناوب السلمي الديمقراطي.

أحداث كثيرة وقعت منذ تلك الفترة أججت اضطرابات في المنطقة وأحدثت مواجهات بين الحكومات وحركات الإسلام السياسي، لا مجال لحصرها هنا، لكن المهم أن إشكالية هذه العلاقة تطرح من جديد وبشدة اليوم من مصر وتونس إلى غزة وليبيا. الامتحان الأهم سيكون في مصر؛ لأن ما يحدث فيها خلال مقبل الأيام سيكون له تأثير كبير في المنطقة. فالكثير من الحركات الإسلامية في المنطقة خرجت من رحم حركة الإخوان المصرية، مثلما أن عددا من حركات التطرف خرجت من عباءتها؛ لذلك فإن العيون تسلط عليهم اليوم لمعرفة كيف سيتصرفون مع الثورة المصرية ومع الديمقراطية الموعودة.. فإن أثبتوا أنهم يعنون ما يقولون من أنهم مع الدولة المدنية، ومع الحقوق التي لا تهمش الأقباط أو المرأة، ومع الديمقراطية التي تضمن التناوب السلمي على السلطة، فإنهم قد يقدمون نسخة عربية للنموذج التركي تقنع الكثيرين بأنه يمكن التعامل مع الحركات الإسلامية التي تقبل العمل السياسي المشروع. بل إن ذلك ربما يساعد في كسر حلقة الإقصاء والحظر للحركات الإسلامية ويقلص فرص ظهور الحركات المتطرفة المسلحة، ويسهم في مكافحة المناخ الذي يفرز جماعات الإرهاب، وكذلك في إنهاء الاتهام الذي تردده جماعات إسرائيلية وغربية بأن الإسلام والديمقراطية لا يلتقيان.

طوال أحداث الثورة في مصر ظل كثيرون يرفعون فزاعة الإخوان على أساس أن التغيير سيقدم لهم السلطة على طبق من فضة، كما قيل إن إدارة أوباما ترددت كثيرا في بادئ الأمر في تأييد الثورة في مصر؛ لأن التقارير كانت تشير دائما إلى أن الإخوان المسلمين هم القوة الأكثر تنظيما، قياسا إلى الأحزاب السياسية الأخرى التي تآكلت وما عادت لها قوة عددية كبيرة ولا تأثير يعتد به. حتى بعد تنحي مبارك ظل كثيرون يحذرون من ركوب الإخوان المسلمين على ثورة الشعب وخطفها، أو من أن تستخدمهم عناصر في النظام للالتفاف على الثورة بعقد صفقة معهم ثم ضربهم لاحقا.

الإخوان يحتاجون، بلا شك، إلى بناء الثقة مع القوى الأخرى التي ترى في تحركاتهم ما يخيف والى تاكيد انهم لا يتحركون بعقلية التآمر أو الاقصاء. فقد سرت تكهنات وتحليلات كثيرة عن أن الإخوان بعدما دعموا محمد البرادعي قبل الثورة واستخدموا تحركاته وشعبيته وسط حركات شبابية، تخلوا عنه بعد الثورة ولم يشركوه في المفاوضات التي أجروها مع الحكومة؛ لأنهم يرون فيه مرشحا محتملا قويا في انتخابات الرئاسة ويتخوفون من مشروعه السياسي الذي قد يتعارض في نواح كثيرة مع مشروعهم، أو هكذا يعتقد البعض. كذلك لم يفت على الكثيرين ملاحظة أن الإخوان بدأوا يتحركون لتجاوز قوى أخرى شاركت في قيادة الثورة، وسرى لغط كبير عندما منع حرس الشيخ القرضاوي الناشط الشاب وائل غنيم من اعتلاء المنصة لإلقاء كلمة بعد صلاة «جمعة النصر».

إن مصر تمر بمرحلة حساسة ومهمة للغاية في مشروع تحولها الديمقراطي، وكل قرارات القوى السياسية، ومن ضمنها الإخوان، سوف تشكل نوع الدولة الجديدة في مصر، وهل هي مصر الجديدة أم مصر القديمة بوجوه جديدة، مصر الديمقراطية أم مصر التي تتنازع فيها أطراف للعودة إلى الديكتاتورية أو لإنشاء ثيوقراطية. وهناك تحدٍّ كبير أمام الإخوان، ولعلهم يدركون تاريخية اللحظة وحجم الامتحان أمامهم؛ فهم إما أن يثبتوا أنهم قوة سياسية يمكن أن تؤمن بالديمقراطية والتناوب السلمي على السلطة، وإما أن يسقطوا في الاختبار ويتحركوا بعقلية التآمر لإقصاء القوى الأخرى والتخطيط للانفراد بالحكم يوما ما، فيكونوا بذلك قد قدموا برهانا أكيدا على أن الحركات الإسلامية لا تؤمن بالتناوب على السلطة ولا ترى في الديمقراطية إلا مطية للوصول إلى الحكم ومن ثم الانفراد به وتأسيس دولة ثيوقراطية أو ديكتاتورية.

[email protected]