ليبيا ومسؤولية حمايتها

TT

ردا على الاعتداءات المتواصلة للعقيد معمر القذافي على المدنيين الليبيين، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا تاريخيا وبالإجماع في جلسته الاستثنائية ليلة السبت الماضي.

ونص القرار على فرض عقوبات مالية وحظر السفر على العقيد القذافي وأفراد أسرته وكبار المسؤولين في نظامه، وأحال القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق ومقاضاة المتورطين فيما سماه جرائم جنائية محتملة ضد الإنسانية.

وفي بيانه الذي يدين العنف، أدرج مجلس الأمن إشارة حاسمة إلى مسؤولية ليبيا تجاه حماية مواطنيها من الانتهاكات الجماعية.

وخلال «قمة العالم» التي عقدتها الأمم المتحدة عام 2005 بحضور أكثر من 150 رئيس دولة وحكومة وافق الحاضرون بالإجماع على إعلان مسؤولية الحماية والذي يجيز العمل الجماعي الدولي لـ«حماية السكان من جرائم حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية» إذا لم تتمكن الدولة أو ترغب في حماية مواطنيها، أو فيما هو أسوأ من ذلك، إذا كانت الدولة هي التي تقوم بمثل هذه الجرائم، كما هو الحال في قضية ليبيا.

منذ ذلك الحين، لم يطبق هذا المبدأ سوى مرة واحدة فقط، في أعمال العنف التي تلت الانتخابات الكينية عام 2007 - 2008. وهي المرة الأولى التي ينتقد فيها مجلس الأمن الدولي صراحة الأوضاع في بلد ما.

ومنذ بداية الأزمة في ليبيا، كان السؤال الذي يتردد خلال هذه الأحداث المتلاحقة ما إذا كانت الإدانات الصادرة عن كل الدول العالمية ستتبع بعمل ملموس من عدمه.

وتفرض التجربة أسبابا للشكوك، فبالنظر إلى الانقسامات بين أعضاء مجلس الأمن الدولي (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة) كان تجنب استخدام حق النقض عادة ما يتطلب نهجا أقل فاعلية.

ومن ثم فإن القرار الليبي يعتبر خطوة رائدة إلى الأمام سواء على صعيد الشعب الليبي أو التزام المجتمع الدولي بإنهاء الانتهاكات الجماعية.لكن خشية أن نبالغ في السرور بشأن ما يجري بشأن ليبيا، ربما يكون من الضروري فهم هذه التطورات والجهد الذي ينبغي القيام به.

أولا: لا بد أن الاستجابة القوية للموقف في ليبيا كانت ممكنة فقط بسبب هذا المزيج من الفظائع التي تستهدف المدنيين، وتصريحات القذافي المدمرة للذات التي تسيطر على نواياه وانفصاله عن الواقع والاستقالات الجماعية لسفرائه والعاملين في الجيش والشرطة والموظفين المدنيين الليبيين حول العالم.

وإجمالا، لم يتبق أحد كي يدافع عن القذافي، فقد توقفت جميع المحاولات لإعاقة أي تحرك من مجلس الأمن برسالة قوية لا لبس فيها تدعم القرار المقترح بشأن ليبيا من قبل الممثل الدائم لليبيا في الأمم المتحدة الذي انخرط في البكاء متوسلا المجلس أن ينقذ بلاده.

ثانيا: على الرغم من اتخاذ المجلس موقفا قويا إزاء أعمال الانتهاكات الجماعية في فترة زمنية أقصر من أي وقت مضى، فإن حظر السفر والعقوبات على الأموال والتحقيقات الجنائية الدولية لن يكون لهما تأثير واضح على المدنيين على أرض الواقع في المستقبل القريب، فالقذافي وأسرته ونظامه يحاربون من أجل حياتهم وهذه العواقب المستقبلية لن تكون ذا قيمة إلا إذا استمر القذافي في السلطة.

ثالثا: إنه على الرغم من الخطوات الحساسة التي تم اتخاذها، ينبغي بذل المزيد من الجهد لإتمام انتقال السلطة وتجنب الانزلاق إلى حالة الفوضى وفقد الحياة التي يمكن أن تحدث إذا شاهد العالم ليبيا تنزلق إلى حرب أهلية شاملة.

وبفقده السيطرة على مناطقه، لا يمكن اعتبار القذافي من الناحية القانونية، على نحو خاص، زعيما للبلاد.

وفي هذا السياق ينبغي على مجلس الأمن تبني قرار للاعتراف بالحكومة المؤقتة الجديدة الوليدة في البلاد وإقامة منطقة حظر للطيران فوق ليبيا مدعومة من الناتو للحيلولة دون قصف المدنيين والسماح لكل أعضاء الأمم المتحدة بتقديم الدعم للحكومة المؤقتة. وقد يشمل هذا الدعم على سبيل المثال نشرا سريعا لقوات الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي في ليبيا.

لقد بات الموقف في ليبيا بمثابة اختبار لمجلس الأمن وتطبيقه لقرار «المسؤولية عن الحماية»، بيد أن الأمر لا يزال كما حدده الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «خسارة الوقت تعني خسارة المزيد من الأرواح»، ومن ثم ينبغي على مجلس الأمم القيام ببذل المزيد من الجهد وبسرعة أكبر. إنها مسؤوليتنا المشتركة لضمان نهج فاعل لـ«المسؤولية عن الحماية» لحماية الشعوب وحقوق الإنسان.

* أيروين كولتر، عضو البرلمان الكندي ووزير العدل والمدعي العام الكندي السابق.

جاريد غنسر، محام ومحاضر في ندوة عن مجلس الأمن في كلية الحقوق بجامعة بنسلفانيا.

* خدمة «واشنطن بوست»