ساركوزي في أنقرة: عذرا لا مكان لكم بيننا

TT

صعود أرقام استطلاعات الرأي الأوروبي في رفض قبول تركيا شريكا كاملا في الاتحاد قابله دائما انخفاض ملحوظ وخيبة أمل لدى الأتراك في فرص الالتحاق بهذه المجموعة التي ينتظرون على أبوابها منذ أكثر من 50 عاما. تراجع الحماس لدى الطرفين سببه الأول انعدام الثقة المتبادل وجهل القواعد الشعبية التركية والأوروبية لما يملكه الجانبان من خصائص ومميزات وفرص سياسية وثقافية واقتصادية قادرة لو تم الاستفادة منها بالشكل الصحيح على تحقيق تقارب حقيقي بين القارات والثقافات ونمط العيش المختلف. موضوع العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي كان وما يزال تحت رحمة القيادات السياسية والحكومات في الجانبين ومواقف بعض المتشددين الأوروبيين وفي مقدمتهم فرنسا وألمانيا طبعا التي حولته إلى لعبة شد حبل ملوحة بسلبيات الجغرافية التركية الواسعة وعدد السكان الكبير والفوارق الاجتماعية والدينية التي قد تهدد مشروع الوحدة الأوروبي وتنسفه عن بكرة أبيه.

قبل أيام قام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة إلى أنقرة لم تتجاوز ست ساعات كانت كافية لتناول طعام الغداء على مائدة الرئيس التركي عبد الله غل لكنها كانت كافية أيضا للكشف عن جمر العلاقات التركية الفرنسية الذي لا يخمد أصلا منذ سنوات. زيارة بدأت متوترة وانتهت أكثر توترا. فهو أولا أصر على أن لا يقوم بهذه الزيارة بصفته رئيسا للجمهورية الفرنسية بل كرئيس لمجموعة الدول العشرين الصناعية التي تنتمي تركيا إليها. وهو تجنب ثانيا وقدر الإمكان حمل أي ملف يناقش العلاقات الثنائية بين البلدين التي تتمسك فرنسا بتسخينها منذ 19 عاما تاريخ آخر زيارة لرئيس فرنسي إلى تركيا. لكن كلام الرئيس الفرنسي في حضور القيادات التركية بـ«أن لا مكان لتركيا في الاتحاد الأوروبي كعضو دائم والأفضل هو قبول اقتراح الشراكة بامتياز الذي تقترحه وتدعمه فرنسا منذ البداية، كثيرون في الاتحاد لا يريدونكم، استفتاء شعبي أوروبي سيثبت ما أقول، تركيا قوية في منطقتها وعليها أن تلعب دورها الأساسي هناك» يعيدنا مرة أخرى إلى خط البداية ويدفعنا إلى سماع ما تقوله بروكسل بهذا الشأن كما قال أردوغان وهو يرد على كلام ساركوزي هذا الذي أغضب الأتراك واستفزهم.

الأتراك بدورهم الذين فشلوا في إقناع الرئيس الفرنسي بتغيير طابع زيارته وتمديدها وتحويلها إلى زيارة عمل تناقش الملفات العالقة بين البلدين لم يترددوا في معاملته بالمثل عندما وجدوا أن لا فائدة من إصرارهم. فهم أولا خفضوا درجة الاستقبال والمراسم إلى حد أن أي شخصية حكومية لم توجد على أرض المطار خلال استقباله وتوديعه. وهم ثانيا ورغم دفاع بعض الإعلاميين عن صراحة الرئيس الفرنسي وموقفه العلني الواضح في موضوع العضوية التركية يصرون على أن ما يقوله يتعارض مع اتفاقيات عام 2004 بين أنقرة وبروكسل وخروج عن مبدأ الوفاء بالعهد المقدم للأتراك عند إنجاز شروط العضوية ومتطلباتها. لا بل إن العديد من السياسيين الأتراك قرأوا مواقف ساركوزي هذه على أنها بمثابة رسائل إلى الداخل الفرنسي لاسترداد ما فقده من شعبية في الأشهر الأخيرة ومحاولة الاستعداد للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة ولتكون مسألة العضوية التركية في قلب الصراع على مقعد الرئاسة هذه المرة. الحادثة الأبرز التي تعاملت معها وسائل الإعلام التركية بشكل واسع كانت ربما تمسك رئيس بلدية أنقرة مليح غوكشاك بقاعدة المعاملة بالمثل في القاموس الدبلوماسي ومسارعته لملء فمه بالعلكة وهو في وداع ساركوزي انتقاما من الأخير الذي كرر فعلته في تركيا وهو يصافح مستقبليه تماما كما فعل العام المنصرم خلال استقباله الرئيس التركي غل.

بقي أن نراهن على أن يكون الرئيس الفرنسي حضر على عجل وعلى عكس ما تقول كافة التحليلات والمتابعات حول الزيارة لمناقشة الانتفاضات الأخيرة التي يشهدها العالم العربي وتحديدا ما يجري في ليبيا وضرورة التنسيق مع تركيا قبل إطلاق أي تحرك إقليمي أو دولي بهذا الاتجاه، وأن اقتراح التعاون النووي السلمي بين البلدين ما هو إلا غطاء لهذا التحرك. وأن نقول إن تحرك اللوبي التركي في أوروبا لتغيير المواقف والسياسات تجاه طلب العضوية التركي هو فرصة ثمينة بيد الأتراك. لكننا بانتظار ذلك لا يسعنا سوى التوقف عند مدلول الهدية التي قدمها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى ساركوزي علها تقوده إلى تغيير موقفه أو تليينه على الأقل وتذكره بقوة الأتراك ونفوذهم عبر التاريخ، فهو وضع بين يديه نسخة مترجمة إلى الفرنسية لجواب السلطان سليمان القانوني ردا على رسالة طلب المساعدة التي بعثت بها والدة الملك الفرنسي فرنسوا لإنقاذ حياة ابنها الأسير بيد الألمان قبل 500 عام.