مساعدة الناس على مساعدة أنفسهم

TT

بين الحين والآخر يستهويني أن أطرح في هذا العمود تجارب إنسانية ليس فيها (فزلكات ولا طعطعات)، وإنما خرجت للواقع بهدوء وتلقائية مثلما تخرج الولادة الطبيعية السلسة.

وهذا رجل له ضمير حي اسمه (غاري هيل) أنشأ (مركز اتصال) لمساعدة الآخرين، لم يكن فيه في البداية غيره هو وزوجته، ولكنه بدأ يحبو ثم يقف ثم يمشي ثم يجري، وهو الآن وصل إلى مرحلة القفز على الرغم من الأزمة العالمية.

وهو يقود شبكة من المنظمات والمتطوعين لا تتوخى الربح، وعملها موافقة الأشخاص الذين هم في حاجة إلى أمر ما، أينما وجدوا مع سواهم ممن يسعهم إيفاء حاجتهم تلك. وكل شهر يتولى غاري وموظفوه الثمانية عشر، مع المتطوعين الذين يتراوح عددهم بين ثلاثين وخمسين، النظر في أكثر من 5000 طلب للمساعدة ويحفظ الدماغ الإلكتروني ودفاتر العناوين في المركز أكثر من 50 ألف اسم لأشخاص وجماعات محلية لديهم الرغبة والاستعداد للمساعدة وتحظى جميع الطلبات بسرية تامة وهي لا تكلف الطالب شيئا.

وهو يروي، على سبيل المثال لا الحصر، أن الكثير من الناس في حاجة إلى مساعدة، والكثير أيضا يملكون الرغبة والاستعداد لتقديم العون. كل ما نفعله هنا هو جمع الفئتين في سبيل إيجاد الحلول المناسبة.

وقد يسهم في حل مشكلات قد تبدو تافهة مثل ذلك الشاب الذي وجد عملا يقتضي التنقل بالطائرة، وهو يخاف ركوب الطائرة، وأحاله إلى مركز مهمته مساعدة أمثاله في التغلب على الخوف.

أو أب استنجد بهم خشية أن يتحول ابنه المراهق إلى مدمن للمخدرات، وعالجوه.

أو أرملة متقدمة بالسن شرقت بدموعها وأجبرت على التقاعد وتسأل إن كان أحد يرغب في استخدامها، ووفقوا بإيجاد عمل لها.

وأسهم مركز الاتصالات هذا في إقامة 48 صفا موزعة على عدة سجون لتدريب المساجين على الأعمال، وفوق ذلك تثقيفهم، وأصبح أكثر من 95% منهم لا يعودون للسجن بعد أن يخرجوا.

وهناك خط هاتفي للطوارئ مفتوح 24 ساعة يستقبل اتصالات المحتاجين للمساعدة في أي معضلة مهما كبرت أو صغرت دون دفع أي رسوم.

وانتشر آلاف المتطوعين لفرز النفايات وبيعها على المصانع والاستفادة من أسعارها لإقامة المشاريع الخيرية التي تخدم بدورها المحتاجين.

وشجعوا المطاعم على التبرع ببقايا الطعام النظيف وتغليفه لتوزيعه على الفقراء، وكذلك حوانيت بيع الملابس لأخذ الملابس الفائضة منهم، أو حتى لشرائها برؤوس أموالها لكساء من هو في حاجة لها.

هذا غير انتشال واحتواء آلاف من الأطفال المشردين.

ويقول (غاري): عندما تخبر الناس أن هناك ألوفا من الأولاد المشردين فإنهم يهزون رؤوسهم ويجيبون: وماذا يسعنا أن نفعل؟!

ولكنك إذا أخبرتهم أن هناك ولدا واحدا مشردا ومرتاعا ويحتاج للمساعدة فإنهم يهبون لذلك.

وقد ساعد المركز إلى الآن أكثر من مليون شخص، وهو يؤكد أن سر النجاح في هذا المضمار إنما يكمن في مساعدة الناس على مساعدة أنفسهم.

وهم يقولون: إننا نقدم إليهم الرعاية والدعم فقط.

فهل هناك من (غاري) آخر؟!

[email protected]