واشنطن في مواجهة العاصفة

TT

اثنا عشر يوما انقضت على حملة العقيد معمر القذافي الضروس على شعبه قبل أن يصدر عن الرئيس الأميركي باراك أوباما رد فعل بمستوى الحدث - وإن ظل دون مستوى رد فعله السريع على أحداث مصر.

أسبوعان انقضيا على انطلاق الانتفاضة الشعبية الليبية قبل أن «ينصح» الرئيس أوباما العقيد القذافي بالتنحي عن السلطة، فيما لم تتأخر نصيحته لحسني مبارك بالتنحي «الفوري» عن الحكم سوى أيام معدودة على اندلاع انتفاضة مصر.

مقارنة بموقفه من أحداث مصر، يبدو رد فعل الرئيس أوباما على انتفاضة ليبيا خجولا في مضمونه ومتأخرا عن موعده: تنديد بانتهاك القذافي «المعايير الدولية وأبسط القواعد الأخلاقية» وتجميد للأصول والممتلكات العائدة له ولأبنائه في الولايات المتحدة.. ونصيحة متأخرة بالتنحي عن السلطة.

ولأنه يسجل للانتفاضة الليبية تخطيها عقد التركيبة القبلية للشعب الليبي في توحدها حول هدف وطني جامع، إسقاط النظام السلطوي، توحي هذه الانتفاضة، أكثر من انتفاضتي تونس ومصر، بأن ما تعيشه المنطقة العربية اليوم ليس حالات انتفاضات قطرية على الديكتاتورية والاستبداد بل حالة يقظة عامة أشبه ما تكون باليقظة الاستقلالية التي حررتها من نير الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

ما يجري اليوم أقرب إلى ظاهرة عربية شبه قومية باتت تستدعي موقفا غربيا واضحا تجاه شعوب المنطقة قبل حكامها. من هنا تأتي أهمية التساؤل عن خلفيات الموقف الأميركي من انتفاضة ليبيا وتحديدا: لماذا تأخرت «نصيحة» أوباما للقذافي بالتنحي أسبوعين رغم أن الليبيين دفعوا، وما زالوا، ثمنا لحريتهم أغلى بكثير مما دفعه المصريون؟ ولماذا لم تتحمس واشنطن لمطلب المعارضة الليبية فرض حظر طيران على الأجواء الليبية على غرار ما فعلت بالنسبة لكردستان العراق في عهد الديكتاتور الآخر، صدام حسين؟

قد يقال إن السبب يعود إلى افتقار واشنطن إلى أوراق ضغط على ليبيا تشابه ما تملكه من أوراق في مصر، خصوصا في أوساط مؤسستها العسكرية.

وقد يقال إن السبب يعود إلى كون عملية «تظهير» صورة عهد ما بعد مبارك أكثر أهمية للدبلوماسية الأميركية من عملية «تظهير» عهد ما بعد القذافي - أولا بالنظر لموقع مصر المحوري في العالم العربي، وثانيا بالنظر إلى أهمية إبلاغ إسرائيل استمرار إمساك واشنطن بمعادلة التوازنات الإقليمية التي أرست قواعدها اتفاقية «كامب ديفيد». أما ليبيا، وبعد أن سوى العقيد القذافي خلافاته مع الغربين الأوروبي والأميركي وانضم إلى نادي محاربة «الإرهاب الدولي»، فقد أصبحت أهميتها تقتصر على مواصلة دورها كمصدر رئيسي لاحتياجات الحلفاء الأوروبيين من النفط.

وأخيرا، قد يرد سبب تأخر واشنطن في اتخاذ موقف واضح من الانتفاضة الليبية إلى استمرار تأثرها بهاجس البديل الإسلامي المتشدد، أي النظرية التي عممتها ديكتاتوريات المنطقة ولا يزال معمر القذافي يروج لها.

ولكن هل يعقل أن تفوت على أجهزة الرصد الأميركية، الدبلوماسية والاستخباراتية، ملاحظة غياب الأصوليين عن المواقع القيادية لانتفاضات تونس ومصر وليبيا، رغم محاولاتهم اللحاق بها؟

من حق انتفاضات الحريات العربية أن تعتبر أن من دواعي اعتزازها أن لا يكون للولايات المتحدة يد في تحريكها، وأن لا يكون في وارد أي جهة كانت دعوة واشنطن للتدخل عسكريا لدعمها.

ولكن لواشنطن، إلى جانب مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة، مسؤولية معنوية وسياسية تبرر تجاوز مخاوفها على استقرار المنطقة، على المدى القريب، للعمل مع حلفائها الأوروبيين، على مساعدة مصر وليبيا وتونس على المضي قدما في بناء مؤسساتها السياسية العصرية وجسمها القضائي المستقل وعلى انفتاح دساتيرها أكثر فأكثر على الحريات العامة والحقوق الإنسانية. واشنطن تعلم، قبل غيرها من عواصم الغرب، أن هذا هو السبيل الأجدى لضمان استقرار المنطقة على المدى الطويل.