خطابات الرؤساء الرتيبة

TT

أستغرب كيف لم تتجاوز خطبة الوداع الأشهر في تاريخ الإسلام مدة 7 دقائق، في حين أن بعض الزعماء العرب المضطربة أحوال بلدانهم يلقون على شعوبهم خطبا ماراثونية ليس فيها شيء يحقق آمال الناس وطموحاتهم. الخطابات الرئاسية فن قلما تجد لدينا من يجيده ويدرك عمق تأثيره.

فكم من خطاب أشعل قطيعة بين بلدين لورود عبارة فيه لم تكن مدروسة، وكم من خطاب حكيم وضعت بسببه الحرب أوزارها، أو عادت بعده المياه إلى مجاريها بين جارين متخاصمين.

بعض الزعماء أو من يصوغون لهم خطبهم يعتقدون أن طول الخطبة يزيد من تأثيرها، ناسين أن للجمهور طاقة محدودة للتركيز. فقد أظهرت دراسة في إحدى الجامعات الغربية أن مدة تركيز الإنسان البالغ أثناء استماعه لحديث ما تصل إلى نحو 20 دقيقة، يفقد بعدها تدريجيا تركيزه! ولذا، تكمن أهمية أن يدخل الخطيب في صلب الموضوع، في الدقائق الأولى، ويقدم ما يتوقعه منه الشارع، فلا يعقل أن ينتظر الناس لساعات خطاب زعيمهم ليخرج عليهم بكلمات عامة فضفاضة، فيزيد إحباطهم ويفاقم معاناتهم.

والخطاب الفعال هو الذي يخرج من القلب، فيلمس قلوب المستمعين، وما أكثر ذلك في تاريخنا العربي، وأذكر خطاب أمير دولة الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح حينما قال من منصة الأمم المتحدة إبان الاحتلال العراقي لبلاده ما معناه: «جئتكم من بلد كان بالأمس واحة أمن وأمان» وذرفت عيناه، فوقفت كل الوفود في القاعة تصفق له لبضع دقائق، في مشهد مؤثر وصفه المراقبون وقتها بأنه من اللحظات النادرة في تاريخ الأمم المتحدة التي يقف فيها الحضور، وذلك لأن كلمات الراحل نبعت من القلب فكان تأثيرها كبيرا.

ويعد كتّاب خطابات الرؤساء عملة نادرة، ولذا تدفع لهم مبالغ طائلة لأنهم يساهمون في قوة التأثير. وخطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة الذي ألهب قلوب الجماهير فصفقوا له طويلا، كان من صياغة كاتب خطابات الرئيس، جون فافرو، وهو أصغر موظف في إدارة أوباما؛ إذ لم يتجاوز عمره السابعة والعشرين عند تعيينه، لكن لديه موهبة كبيرة.

وحتى تكون الخطبة فعالة، يجدر أن يكون فيها جانب عاطفي، ومعلوماتي، ووعود جادة، وتذكير بإنجازات، وإن أمكن، ذكر لقرارات مهمة مرتقبة (شريطة أن تكون مدروسة).

كما يعد التوقيت أمرا بالغ الأهمية، فلا يليق أن يخطب زعيم في منتصف الليل مثلا، ويتوقع أن يهتم به الناس، مثلما فعل الرئيس المصري السابق حسني مبارك عقب قيام ثورة 25 يناير. أما ملكة بريطانيا عندما جاءت لتخطب في الأمم المتحدة بعد نصف قرن تقريبا من آخر خطاب لها، فقد تزامن خطابها مع فترة الاستراحة بين شوطي مباراة جماهيرية مرتقبة في الدور قبل النهائي بنهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2010، حيث استغرقت الكلمة عشر دقائق قبل أن يعود الفريقان إلى أرض المعلب، ففسرها مراقبون على أنها كانت مقصودة.

أما من أكثر ما يبعث على السآمة من الخطابات فهو «التكرار من دون داع» أو استخدام «مصطلحات منمقة» لحشو الخطاب. وأتذكر مقول وصلتنا عبر موقع «تويتر» يقول فيها مرسلها: «إننا نطيل الكلام عندما لا يكون لدينا شيء نقوله»! ولذا، فقد حددت الأمم المتحدة مدة زمنية لبيانات القادة والزعماء في القمة بخمس دقائق، تمدد قليلا.

وليس مهما أن يكون الخطاب مكتوبا أو يلقى من رؤوس أقلام، لكن المهم أن لا يحيد الرئيس عما اتفق عليه مع مستشاريه القانونيين والإعلاميين والسياسيين حتى لا يقع في مشكلة جديدة مع شعبه أو شعوب أخرى، بعد أن تأخذه الحماسة والانفعال.

الخطاب الفعال، ليس بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل؛ بل هو ما يلمس حاجة الناس ويؤثر فيهم.

[email protected]