الأنموذج المصري

TT

كررت بعض الفضائيات ومواقع إلكترونية عرض سجال تلفزيوني بين مذيع مصري معروف ووزير الإعلام المصري السابق وفيها تكشفت تفاصيل بعض ما كان يشوب العلاقة بين الإعلام والنظام السابق من اعوجاجات. وعبر الإنترنت يمكن بسهولة مشاهدة تسجيلات بالفيديو لمواقف إعلامي مصري مشهور قبيل سقوط نظام حسني مبارك وبعده مباشرة بحيث يظهر التناقض في المواقف على نحو هزلي..

تلك ليست سوى بعض من التفاصيل الكثيرة التي انشغل بها الرأي العام المصري والعربي المعني بتبدل أحوال الصحافة والإعلام في مصر بعد أن نجحت ثورة الشباب المصري في الإطاحة بالنظام بحيث بات الإعلام مسألة سجالية أساسية في النقاش القائم في مصر ما بعد الثورة..

لكن في الأسبوع الماضي عادت مسألة الرقابة على الإعلام الرسمي إلى واجهة النقاش بعدما أثير عن حلقة تلفزيونية نقدية لرئيس الوزراء الحالي تمت الحيلولة دون بثها..

إنها مؤشرات حول كيف يحاول الإعلام المصري الذي كان ممسوكا بأكمله من قبل النظام اللحاق بركاب الثورة. لا يجري هذا التحول بسلاسة وحتما لن يكون الأمر سريعا أو من دون عقبات، إذ ليس من السهل إقناع 46 ألف موظف يعملون في مبنى الإذاعة والتلفزيون في القاهرة بنمط تفكير جديد حر ومستقل بين ليلة وضحاها بعد عقود طويلة من سياسة التفرد والتسلط والفساد. كما أنه ليس بديهيا الحديث عن إعلام مستقل وحيادي في مصر من دون الوقوع في فخ الإثارة والمناكفة..

هناك ثورات صغيرة تحصل في المشهد الإعلامي المصري على غرار الثورة الكبرى التي حدثت في ميدان التحرير، وكما تعيش البلاد على وقع حكومة انتقالية مرعية من الجيش فإن الإعلام الرسمي يعيش مرحلة مشابهة للخروج من عفن مزمن قوامه مزيج من فساد ضارب حتى الجذور ورقابة مباشرة وذاتية أفسدت أي معنى للدور الإعلامي الذي يفترض بالصحافي أن يقوم به.

اليوم، لا تزال الرقابة الذاتية ماثلة وليس أدل عليها من الإجماع الإعلامي تقريبا على تحييد الجيش وقصر الدور الإعلامي على الإشادة به وهذا لا شك أمر يجنب المؤسسة العسكرية مساءلة ضرورية لضمان استقامة المرحلة الانتقالية الحالية والتحقق من تكريس مبدأ حرية وحياد الإعلام كواحد من مكتسبات ثورة 25 يناير.

إنه مسار يعكف عليه الإعلام التونسي وحتما يصارع من أجله الإعلام الليبي..

ما طرحته علينا الثورتان التونسية والمصرية وحاليا الليبية يطالنا جميعا في الإعلام العربي الذي لم يستطع رغم كل ما حققه أن يثمر وسيلة إعلام عربية واحدة مستقلة..

ربما كانت الاستفادة من تجربة الإعلام الرسمي المصري مفيدة للدول المرشحة لأزمات موازية. فالابتعاد عن الانحياز المطلق للسلطة سيجنب هذا الإعلام محاسبة قد تكون قاسية تعقب نجاح حركات التغيير في تلك البلدان. فالوجوه التي استماتت في الدفاع عن النظام المصري قبل سقوطه اسودت ولن تفلح في تبييض صفحتها مهما حاولت..

علّ وجوها وأقلاما عربية أخرى أن تتعظ مما جرى..

diana@ asharqalawsat.com