شعبه يحبه

TT

ما زال جالسا يقهقه ويقول للمراسلين: «الوضع هادئ في ليبيا»، ثم، بإنجليزية بالغة الركاكة: «شعبي يحبني وسوف يحميني». ولكن شعبه، مثل بقية العالم أجمع، لا يكف عن دعوته إلى التنحي. ومشاهد البؤس الذي تسبب فيه لا تزال تخرج على العالم، من حدود تونس وحدود مصر، وعشرات الآلاف نزحوا من ليبيا الهادئة، برا وبحرا وجوا، والمجاعة تدق أبواب المدن وأبواب المناطق الحدودية، وعشرات الآلاف في الشوارع يهتفون ضد ماضيه وضد بقائه ويشبهون حكمه بالاستعمار الإيطالي والجنرال غرزياني. وحفيد عمر المختار، الذي طالما تلحف بذكراه وعاش عليها، يعلن، بكل وقار أن على هذا الرجل أن يذهب. أما هو، فيخطب مناشدا أحفاد عمر المختار أن يهبوا للدفاع عنه.

وصاحب حكم الشعب وبطل الكادحين والحقراء يبلغ كل ساعة أن دولة جديدة قد فرضت حظرا على ملياراته ومليارات أشباله، من أميركا إلى النمسا ومن بريطانيا إلى ألمانيا، وهو لا يزال قابعا في ثكنة باب العزيزية يرسل جنوده ودباباته في أثر الجرذان والفئران والجراثيم والمخدرين بحبوب الهلوسة.

في الماضي كان مسليا بالنسبة للمتفرجين الغرباء، وليس طبعا بالنسبة إلى الليبيين الصابرين، وكان ضحاياه معدودين نسبيا، يخطفهم من شوارع مصر أو يطاردهم في شوارع ليبيا أكثر من النهر العظيم، وهو قابع خلف أسواره الحقيقية والمفترضة.. أنسى الناس نرجسية صدام حسين وقمعه واحتقاره لأرواح الناس ودمائهم.. أنسى العالم تعشق روبيرت موغابي للكرسي.. أنسى التاريخ حكاية احتراق روما. هذا هو الرجل الوحيد الذي يذهب من دون أي كلمة تعاطف من أحد؛ إلا من كاسترو الذي لم ير في ليبيا سوى اضطرابات! حتى الذين جنوا ثروات من الخروج على أخلاقيات الإنسان، من أجل العمل معه، أخفوا أصواتهم في حلوقهم. حتى الذين أخذوا الملايين لمساعدته في تغطية النشوات الإرهابية ولذات القتل، اختبأوا وراء حساباتهم المصرفية.. وهو باق يرسل طائراته ودباباته والمرتزقة لمطاردة «الكلاب الضالة» في بيوتها ومدنها وقراها. أربعون عاما وهو جاثم يتوسد الكتاب الأخضر ويغير التيجان الذهبية المضحكة والعصي الذهبية المضحكة.. كم تذكر هذه الصور بالعرش الذهبي الذي صنع لتتويج الإمبراطور جان بيدل بوكاسا. ربما من أجل ذلك اجتذبته أفريقيا.. من أجل ذلك كان رجاله يسبقونه في زياراته الرسمية ويملأون ساحاتها بملصقات ضعف أحجام صور الرئيس المضيف، بكل فظاظة وسلوك رديء، لقاء حفنة من المال المرهون بألف شرط؛ أولها وآخرها، توزيع الكتاب الأخضر وأفكاره العظمى.