الكويت: القناعة راسخة بأن النظام والدولة واحد

TT

وضع الكويت جيد. كل من تلتقي به في الكويت من سائقين أو بائعين، من رجال أعمال أو سياسيين يقول: الكويت بلد خير ومستقر. الوضع إذن من ناحية الالتزام بالنظام مريح وثابت، فالنظام والدولة واحد، وهذه قناعة راسخة. والأهم أن خطاب أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح يوم الخميس الماضي بمناسبة احتفالات البلاد الثلاثية: (50 سنة على الاستقلال، 20 سنة على التحرير، 5 سنوات على الولاية) جاء فيه تأكيده الالتزام بالدستور، مما يعني أن لا حل غير دستوري، وقد أراح هذا الرأي العام والتيارات الكثيرة التي لها اجتهادات متباينة: (الإخوان، السلفيين، الشيعة والليبراليين).

الجدل الداخلي يدور حول تحسين الوضع السياسي والإصلاحات والمزيد من الحريات، ويطالب البعض بتطوير التجربة البرلمانية، ويقولون إنه لولا الدستور لانضمت الكويت إلى مجموعة دول المتظاهرين الذين سيعترضون.

في الكويت الأمن القومي خط أحمر، وما عدا ذلك فإن هامش المناورات والمطالب والصراعات مفتوح. يدرك الجميع أن الكويت بلد مطموع فيه، وإذا كانت القدرة على احتلال الكويت صارت أمرا مستحيلا، فإن ضعضعة الأوضاع من الداخل واردة، خصوصا أن سيف التلويح بالفتنة المذهبية يهدد الجميع.

الصراعات الداخلية في الكويت هي كما في كل بلد ديمقراطي حيوي؛ بعض الليبراليين وعلى رأسهم أحمد السعدون وضعوا نصب أعينهم مواجهة رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، لكن في المقابل كثيرون يثنون على سياسة رئيس الوزراء في تجنب الفتنة المذهبية، فهو كسب الشيعة، وكسب القبائل فسد بذلك الأبواب في وجه أي طرف خارجي يحاول المس بالتركيبة الكويتية.

من جهة أخرى يستمر الصراع بين الليبراليين والسلفيين. يريد السلفيون أن تكون الشريعة المصدر الوحيد للتشريع (عددهم غير كبير لهم صوت في البرلمان وصوت في الصحافة إنما يكونون مع الإخوان المسلمين جبهة). ويريد الليبراليون الدولة المدنية ويرفضون الدولة الدينية، كما أن الخلاف مستمر على التعليم وعلى الملاحقات الاجتماعية، إذ يمنع السلفيون الحفلات ويمنعون الاختلاط في الجامعات ويعتبرون ذلك كفرا، والأجرأ في المواجهة كانت النائبة الشابة رلى الدشتي التي طرحت في البرلمان «إلغاء منع الاختلاط»، لكن، تبني الحكومة جامعتين حديثتين واحدة للطالبات وأخرى للطلاب، مع العلم أن شباب الخليج عادة ما يواصل تحصيله الجامعي في الغرب حيث إن الاختلاط أمر طبيعي ولا تركيز عليه.

وهناك قضية «البدون» الذين انطلقوا في مظاهرة سلمية قبل أسابيع، وهم خليط من العراقيين والسعوديين والإيرانيين وبادية الشام. و«البدون» مشكلة وطنية يعاني منها الجميع؛ الحكومة والنواب والشعب، ويقول لي مصدر كويتي: «إنه لا يمكن لأي حكومة كويتية أن تجنس مجموعة تخلت ومزقت جوازات سفرها». عدد «البدون» الآن يصل إلى نحو 70 ألفا، هناك احتمال تجنيس 30 ألفا لأن سجلاتهم قديمة، أو لهم أقارب كويتيون. الخوف من تجنيس «البدون» كونه يقلب موازين المعادلة القائمة. عندها يضعف الأمن الوطني وينزلق في اتجاه المخاطر. لهذا شكلت الحكومة لجنة خاصة بـ«البدون» تدرس الوضع برمته. ويضيف محدثي: لا توجد دولة كالكويت تعطي «البدون» بطاقة مدنية، هم يعملون، وأولادهم في المدارس، وصناديق الطلبة تصرف على تأهيلهم الجامعي، ثم إن المادة 17 في الدستور تعطي جوازا كويتيا لسفر المؤهلين للتجنيس، لديهم تسهيلات. هناك من يقول إن كل هذه الأمور تبقى دون المبادئ الإنسانية، لكن، كما يقول: لا يجب الخلط، لأن الأمن القومي يبقى خطا أحمر غير مسموح لأحد المس بجوهره أو التلاعب به.

ولأن حرية التعبير والإعلام في الكويت تعكس تفكير أغلبية دول الخليج، فالنقاش في الشأن الخارجي لا يخفي أنه كانت تربط الكويت ودول الخليج علاقات استراتيجية بالرئيس المصري حسني مبارك، فهو كان طرفا أساسيا في منظومة الاعتدال الإقليمي العربي، وقام بدور كبير في احتضان القضية الفلسطينية والمفاوضات، وحمى مصر من المغامرات، وحافظ على استقرارها، وأنهى فترة الشعارات في حكم مصر. دول الخليج كانت تنصح مبارك بإجراء إصلاحات داخلية، لكن لا يمكنها التدخل أكثر في أي شأن داخلي. الآن لا تصور للنظام المصري المقبل، لا يزال الوضع غير واضح، إنه زئبقي، وهذا شيء يقلق دول الخليج.

بالنسبة إلى ليبيا لا مودة بين نظام العقيد ودول الخليج، إنما نهاية حكم معمر القذافي تعني نهاية حكم الشعارات الجوفاء، وهذا شيء إيجابي، لكن أي حكم سيأتي بعده، فالأمر غير واضح، وإذا جاء نظام ليبرالي مدني، يسمح للأحزاب وتدوير الحكم، مع انفتاح اقتصادي، واعتدال سياسي، فهذا مطمئن.

لا يتوقعون في الكويت والخليج بقاء طويلا للرئيس اليمني علي عبد الله صالح. يقول محدثي: إن كل دول الخليج دعمت صالح الذي كان دائما تنقصه المصداقية. يتذكر الكويتيون ما أخبرهم به الرئيس مبارك، قال إنه في الرابع من أغسطس (آب) 1990، أي بعد يومين فقط من الغزو العراقي وصل علي عبد الله صالح إلى شرم الشيخ لزيارة مبارك وهو في طريقه إلى بغداد لدعم صدام حسين. قال صالح: الآن الكويت راحت وجاء خيرها ليفيض علينا كلنا، فلماذا تقف هذا الموقف؟

لا يتردد الكويتيون في مناقشة وضع البحرين. يقولون إن الحل هناك سهل ويعرفه الملك وولي العهد، وبالذات رئيس الوزراء، المهم من سيقدم على اتخاذ القرار الصعب؟

يبقى العراق يشكل قلقا لدول الخليج، فهو لا يزال مضطربا وحكمه ضعيف، العمليات الانتحارية مستمرة والمظاهرات ضد الفساد والتقصير انطلقت. في الكويت يريدون أن ينتهوا من الملفات العالقة مع العراق، وأهم ما تطلبه الكويت أن يرسل العراق رسالة رسمية إلى مجلس الأمن يؤكد فيها قبوله بالقرار الدولي 833، الذي يضمن ترسيم الحدود، ولن تتحسن العلاقات بين الدولتين قبل هذا الالتزام العراقي، وقد وعدت الحكومة العراقية بذلك. ويقول لي الرئيس العراقي جلال طالباني: «على العرب أن يتأكدوا من أن رئيس الحكومة نوري المالكي عروبي، هو عاش في سورية وليست حكومته إيرانية الميول!»، وعندما سألته عن علاقة كردستان بإيران أجاب: «نحن نركز على تقوية علاقاتنا بتركيا، والقمة العربية ستعقد في بغداد».

القلق الخليجي من السلاح النووي الإيراني واضح، فهو يقلب موازين القوى ويشجع التطرف الإيراني ويقضي على نزعة التعايش السلمي الإقليمي.

ما يريح الخليجيين أنهم نجحوا في تدويل الأمن الخليجي وهذا ما يزعج إيران التي اعتقدت أن الخليج بحيرة.

ولأن سلامة الخليج تمس حياة مواطنين في أقصى العالم (النفط والغاز) نجح الزعماء الخليجيون في تدويل قضيتهم. ومع تعرض النفط الليبي لأزمة بسبب ما يجري في ليبيا، وكذلك تعرض أنابيب النفط في نيجيريا لهجمات إرهابية، لا بد من أن يشعر العالم كله المدمن على الطاقة، لا سيما الصين وأميركا، بضرورة تعزيز وضع الخليج كله.

إذا رأينا ما يجري في أفغانستان وباكستان والاضطرابات في بعض الدول العربية بما فيها اليمن، وإذا نجحت القيادة البحرينية في فتح الباب الوحيد الذي يمهد للتسوية الداخلية، يمكن القول إن الجزء الخليجي في المنطقة متماسك وصحي، لأن الأنظمة شرعية، فالدولة انبثقت من النظام وليس العكس، وهذه قوة الخليج.