الرجل الغريب

TT

قال الأتباع السابقون الثوريون الجدد لقائد الثورة السابقة: «لن تقبلك أية دولة.. استسلم.. وستحاكم بموجب القوانين التي وضعتها».

هذا هو الحال. قال الزملاء السابقون في السلاح الذين تفرقت بهم السبل وأصبحوا ثوريين من جديد لقائدهم السابق، والحاكم المطلق داخل ليبيا حتى أيام قليلة، إنه بغض النظر عن المدة التي يصر فيها على خداع نفسه بأنه لا يزال في السلطة إلا أنه لا يسيطر الا على أميال مربعة قليلة داخل ليبيا؛ وأنه لا يوجد أحد من أصدقائه وحلفائه السابقين مستعد لأن يقدم له ملاذا، بما في ذلك صديقه المفضل الرئيس الإيطالي سيلفيو برلسكوني، ومن ثم ليس في مقدوره الهروب من العقاب إلى أي مكان؛ وأنه لن يحاكم بموجب قوانين جديد في إطار محكمة خاصة، ولكن ستطبق عليه القوانين التي صنعها من أجل معاقبة خصومه.

تنص هذه القوانين بصورة واضحة على أن المواطنين الذين يثورون ضد الحكومة الليبية ويفتحون النيران على الشعب الليبي يواجهون حكما بالإعدام.

وبالطبع يسهل معرفة أن المجتمع الليبي مجتمع قبلي، وأن ما يحدث هناك في واقع الأمر ما هو إلا صراع على السلطة بين قبائل، وأن معمر القذافي، الذي ينتمي، فيما يبدو، إلى قبيلة أصغر نسبيا، سيخسر الصراع لأن قبائل أكبر تريد المزيد من السلطة فيما يتعلق بإدارة شؤون الدولة. وبالتأكيد يحظى هذا التحليل بمقدار من الصحة، ولكن هل غير القذافي من قبيلته أخيرا؟ ألم يكن ينتمي إلى نفس القبيلة الأصغر نسبيا عندما قاد الثورة؟ ألم يكن فردا بنفس القبيلة على مدار أكثر من أربعة عقود قضاها في السلطة؟

تعد الساحة السياسية المعتمدة على القبلية واقعا داخل ليبيا، ولكن ما يحدث في ليبيا حاليا لا يمكن تفسيره فقط بأنه تحول في الولاءات الخاصة بالقبيلة. فزعيم الثورة أمس هو الرجل الغريب في الساحة السياسية اليوم. ولا يوجد من يرغب فيه داخل وطنه، ولا يوجد من يقبله ضمن أصدقائه وحلفائه السابقين. وحاليا ينأى المجتمع الدولي بنفسه عنه، ويعتبره شخصا منبوذا. وعلاوة على ذلك، منع القذافي وعائلته من السفر، وفرضت عقوبات على ما تبقى من إدارته. وبدأت أصوات تهمس عن احتمالية قيام منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعملية داخل ليبيا على غرار ما نفذ داخل صربيا بهدف وضع نهاية لحمام الدم حاليا. وأعلنت الولايات المتحدة بالفعل أن الوقت قد حان كي يتنحى القذافي، وبدأ الأسطول الأميركي داخل البحر المتوسط يتخذ أماكن تحسبا لأي عملية تنفذ داخل ليبيا في نهاية المطاف.

ومن الواضح أنه بعد مشاهدة النهاية الحزينة التي كانت من نصيب زين العابدين بن علي وحسني مبارك داخل تونس ومصر، يأمل القذافي أن يحقق خروجا أفضل من المشهد الليبي. ومن خلال استثارة تدخل عسكري من جانب الغرب، يرغب القذافي في أن يصبح شهيدا أو على الأقل يصبح بطل القومية العربية في مواجهة الاستعمار.

وأصبح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الرجل الغريب الآخر من خلال معارضته العقوبات المفروضة على ليبيا والعمل العسكري المحتمل. وربما يشهر الخصوم سيوفهم ضد أردوغان. ولكن فيما أصبح أردوغان الرجل الغريب من خلال معارضة العقوبات والتدخل في ليبيا، أعرب رئيس الوزراء التركي عن مخاوف دولة إقليمية ترى آثارا كبيرة لهذه الإجراءات على شعوب الدول المعرضة للإجراءات العقابية وعلى المصالح التركية. العراق هناك... وإيران هناك... لا يمكن مقارنة خسائر تركيا بسبب العقوبات على العراق والحرب التي تلت والاحتلال بخسائر ومعاناة العراق، ولكنها كانت كبيرة. وقد أضرت العقوبات الإيرانية بالشعب الإيراني وبالمصالح التركية أيضا.

لدى تركيا مصالح في الهدوء داخل ليبيا، ويمكن أن تؤدي العقوبات على ليبيا أو التدخل العسكري في ليبيا إلى زعزعة الاستقرار على المدى الطويل، وسيؤدي حتما إلى الإضرار بالمصالح التركية أيضا. وبعد إخلاء 18000 عامل تركي من ليبيا – ماذا حدث للأتراك الباقين بما أن رئيس الوزراء لا يزال يصر على أنه كان هناك 30000 عامل تركي هناك؟ ويعني ذلك في الوقت نفسه ان مليارات الدولارات ضاعت في أعمال لم يتم الانتهاء منها أو أن أماكن العمل تعرضت للدمار أو النهب. يرغب أردوغان في احتواء خسائر تركيا داخل ليبيا.

حسنا، ربما يتناقض هذا الموقع مع بطولته المشهود عليها في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي حظي عليها جائزة من القذافي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. واليوم أمام بطل حقوق الإنسان بالأمس بعض الأولويات الأخرى. وكما قيل أخبرني عن أصدقائك، أقُل لك من أنت!

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية