من يريد مساعدة مصر؟

TT

السؤال العربي الذي نسمعه هذه الأيام هو كيف نساعد مصر؟ الإجابة بسيطة، ساعدوا مصر بمساعدة أهلها لا حكوماتها، فهناك أكثر من مليون مصري عالق في ليبيا، فهل هناك من دولة عربية تستطيع إرسال طائرات لإعادة هؤلاء إلى أهلهم، خصوصا العالقين في تونس الثورة ذات الموارد المحدودة؟

أعرف أن هناك الكثيرين من أعضاء الحكومة الانتقالية يطوفون العالم العربي من أجل جعل ثورة مصر نصف ثورة، باحثين عن الدعم المالي، لكن ما تحتاجه مصر ليس دعم نصف الثورة، ولكن دعم الغلابة الذين ظلمهم النظام مرتين؛ مرة عندما دفعهم إلى التغرب بحثا عن الرزق، ومرة عندما كانوا يعانون الأمرّين عند عودتهم في الإجازات في المطارات أو الجمارك، فهم دائما موضع شك بالتعاون مع أنظمة أجنبية.

هؤلاء الغلابة من المصريين لم يخرجوا إلا بحثا عن لقمة عيش حتى لو لم تكن كريمة. انظروا إلى صورهم على الشاشات لكي تعرفوا ماذا فعل نظام مبارك بمصر والمصريين.

هناك أكثر من خمسة ملايين مصري خارج مصر، أي أكثر من اللاجئين الفلسطينيين خارج الحدود.. كثير منهم ترك أهله وناسه ليكون في جيبه 17 دولارا بينما كان في رصيد أصغر فاسد في النظام السابق 17 مليون جنيه. الحكومة الحالية لا تختلف عن سابقاتها، هي فقط مشغولة بتوافه الأمور، أما مسؤوليتها عن أبناء الوطن، فهي آخر أولوياتها.

مصر تحتاج إلى الدعم العربي لدعم الشعب لا دعم الفساد ومساعدة الفاسدين كي يعودوا إلى الحكم. أمام العرب اليوم فرصة ذهبية لكي يكون لهم جميل في ذمة المصريين، هذا الجميل يتلخص في خمسين رحلة طيران إلى تونس لنقل هؤلاء العالقين هناك، وتكلفة هذه الرحلات لن تصل بالتأكيد إلى البلايين التي تطلبها من الدول العربية حكومة أحمد شفيق أو المجلس العسكري لدعم الاقتصاد المصري.

هناك حقيقة أساسية وهي أن مصر مليئة بالأموال، لكن من في الحكم لا يريدون أن ينفقوا من مخصصات الفساد على الشعب، يريدون من العرب أن ينفقوا على العملية. ولا داعي لذكر المصادر، ولكنني أؤكد أن القائمين على النظام اليوم لديهم سيولة مقدارها على الأقل 50 مليار دولار، لكنهم لا يريدون أن يصرفوا منها على الشعب، يريدون الاحتفاظ بها كما يقولون للطوارئ، ولكن التجربة مع القائمين على الحكم تحذر من غير ذلك.

الحوار العربي الدائر اليوم هو كيف نساعد مصر، وهذا يعني في التفكير التقليدي كيف يساعد العرب من هم في الحكم الآن. وهنا المشكلة، المهم هو أن يفكر العرب في كيفية مساعدة المصريين لا حكومتهم، فهذه الحكومة إلى زوال قريبا، ربما شهر في أحسن الأحول، كما أن الحكومة التي ستليها أيضا إلى زوال بعد شهرين أيضا، إذن أي حكومة سوف تستثمر فيها الدول العربية الشقيقة بحسن نية، ستسقط قريبا، وبدلا من أن تحسب المساعدات للدول العربية سوف تحسب عليها، لأنها من وجهة نظر الشعب تكون قد أسهمت في محاولة تثبيت بقايا النظام السابق.

أما في حالة مساعدة المصريين الذين هم في ورطة مثل العالقين في ليبيا، أو مساعدة أسر شهداء الثورة، فهذا سيبقى كرصيد وجميل يذكره الشعب المصري.

على الدول العربية التي تريد مساعدة مصر أن تنظر إلى الأمور وفق المتغيرات التي شهدتها مصر، وأن تستثمر في البلد وفي الشعب وليس في النظام.

وليتعظ العرب الذين يناقشون مسألة دعم مصر من تجربة الولايات المتحدة مع مصر، فقد قدمت أميركا إلى مصر معونات وخصم ديون تصل بمجملها إلى ما يقرب من مائة مليار دولار منذ عام 1979، أي ما يساوي بسعر السوق الأموال التي دفعتها أميركا لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية فيما يعرف بـ«المارشال بلان»، أي خطة مارشال لإعمار أوروبا. الأموال الأميركية التي دفعت لمصر تساوي الأموال التي دفعتها أميركا لأوروبا، ولكن الفارق الجوهري هنا أن هذه الأموال عمرت أوروبا كلها بعد الحرب العالمية، في حين يعرف الجميع الآن بعد سقوط النظام إلى أين ذهبت أموال المعونة الأميركية.. الأموال التي عمرت أوروبا كلها لم ترصف شارعا واحدا في مصر، بل ذهبت إلى جيوب النظام.. فرجاء يا إخواننا العرب، لا تكرروا التجربة ذاتها بعد الثورة، وشكرا.