الفاتورة الاقتصادية

TT

أسعار النفط والذهب آخذة في الارتفاع ومرشحة وبقوة للوصول إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة بسبب أحداث ليبيا الدموية تحديدا، وعموم التطورات في العالم العربي.

ولحق هذه التطورات في أسعار النفط والذهب انهيار كبير في أسواق الأسهم الخليجية التي فقدت أجزاء مهمة وحيوية من قيمتها في فترة بسيطة للغاية، ويبدو جليا أن القلق والاضطراب السياسي أصبح له فاتورة اقتصادية متنامية باهظة التكلفة.

هناك قدر كبير من العبث والتخوين والإشاعات المضللة والكذب الإعلامي الانتقامي بشكل مقنن ومنظم يبدو أن غايته هو إحداث جو من الاضطراب والشلل التدريجي في قطاعات حيوية مختلفة.

المناخ المسموم الذي تختلط فيه المعلومة بالرأي بالإشاعة يصبح مناخا هداما وليس صحيا مهما كانت النوايا حسنة والمقاصد خيرة.

المجتمع الدولي لا يعامل كل المناطق الملتهبة في العالم العربي بنفس الدرجة من الاهتمام، فهو «أسير» نكهة النفط ورائحته، وبناء عليه يعلن تحركه، ولكن كذلك المجتمع العربي لا يزال يتعامل مع مرحلة ما بعد الثورة بشكل غريب ومثير للدهشة، فالرغبة الانتقامية من أشخاص بعينهم ومؤسسات أعمت العقل والبصيرة، وتحولت المسألة إلى فوضى بشكل مطلق ومدمر، وانتشرت بالتالي الاحتجاجات والاعتصامات والاعتداءات مما شل الاقتصاد وعطل فرص العمل وهز الاقتصاد ككل.

رعونة التعامل مع الكيانات الاقتصادية وتجريم الشركات العاملة واعتبارها تلقائيا جزءا من الفساد وجزءا من المشكلة وضرورة أن تدفع الثمن هو نوع آخر من «البلطجة» غير المعلنة، ولكنها مكلفة.

تسريب الشائعات بحق شركات وأشخاص ونشرها كأخبار موثقة ومؤكدة يحولها إلى مادة مغرية للقيل والقال لتوجه في صالح اتجاه سياسي أو أمني محدد.

وكالات أنباء عالمية بالغة الاحترام تسرب «وثائق» ومعلومات مالية عن شخصيات عامة ومعروفة في المنطقة في توقيت مريب، وتاريخ التسريب مرتبط بتواريخ أخرى في مواقع سياسية في المنتديات الاجتماعية المعروفة، هذا النوع من المغامرات الصحافية لا بد أن يفتح أبواب نظريات المؤامرة على مصراعيها، ولكن الأخطر من كل هذا هو قيام عناصر إعلامية في العالم العربي بتصرفات حمقاء تؤجج مشاعر العامة بشكل هستيري، ويدخل على الخط رجال دين معروفون ويفتون «على الهواء» دون تمعن كاف أو تهدئة للمشاعر أو التمعن في المسألة بشكل كلي، فيغذي أكثر المناخ الانتقامي العام.

هناك أطراف تريد الإصلاح، وأطراف تريد الانتقام، وشتان الفرق بين الاثنين؛ الأول فريق عقلاني له مطالب موضوعية وواضحة المعالم قابلة للتحقيق، والآخر فريق تتحكم فيه العواطف والمشاعر المتداخلة، سقف مطالبه متحرك بلا نهاية، وهو عود ثقاب قابل للحريق الكبير المدمر.

هناك خلط كبير حاصل على الساحات العربية وتطور مدمر لأفكار جميلة. ارتفاع أسعار النفط سيلحق به ارتفاع كافة السلع، وبالتالي تضخم مرعب، والإشاعات ستؤدي إلى شلل في الإنتاجية، وانهيار اقتصادي مخيف، والرغبة في الانتقام بإطلاق الإشاعات ستقسم المجتمعات وتحدث الشرخ المهول، الأمر الذي قد لا يمكن إصلاحه بعد ذلك.

المسألة حيوية وخطيرة، وهناك الكثير من المؤشرات غير المطمئنة، والتصريحات التي يطلقها بعض المسؤولين بأسلوب خاطئ لا تساعد هي الأخرى. قليل من العقل وكثير من الأمل، ومساحة بلا حدود من الإيمان هو ما نطلبه هذه الأيام.

[email protected]