ما حدث في معرض الكتاب ليس احتسابا

TT

يخطئ من يعتقد أن ما حدث في معرض الكتاب في العاصمة السعودية الرياض من تهجم على وزير الإعلام السعودي، وبعض الضيوف، أو الإعلاميين السعوديين، أنه احتساب، بل هو عمل أبعد ما يكون عن الاحتساب، فما حدث كان اعتداء على الدولة وهيبتها.

فجهاز الحسبة، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كانت موجودة في المعرض بشكل رسمي دون أن يبدر منها أي شيء مزعج، أو معكر لأجواء المعرض. ولذا، فإن ما قام به هؤلاء الشباب لم يكن إلا مزايدة على جهاز الحسبة نفسه، واعتداء على الدولة ومؤسساتها، من خلال محاولة التشويش على مؤتمر يلتئم سنويا في الرياض، ويحاول البعض - دائما - تحويله إلى مناسبة عرض عضلات للإعلان عن وجودهم. والحقيقة أن ذلك عمل بائس، ليس له أهداف، أو منافع تذكر أكثر من كونه تشويشا. والدليل أن معرض الكتاب يلتئم كل عام وبنجاح كبير، ويستقطب كافة شرائح المجتمع السعودي، حيث يأتي إليه السعوديون من جميع أرجاء المملكة، سواء نساء أو رجال، محافظون وغير محافظين.

ولذا، فمن غير المقبول تصوير ما حدث على أنه مجرد احتساب، أو حماس شباب، بل يجب النظر إليه بطريقة جادة ومختلفة. فما حدث كان عملا منظما من قبل هؤلاء الشباب، الهدف منه فرض رؤيتهم على الدولة والمجتمع. وهذا أمر مرفوض، فالقصة ليست قصة احتساب ضد كتاب، فما هو متاح على الإنترنت من الممنوعات يفوق أكبر معرض كتاب، كما أن الاحتساب لا يكون ضد المعرفة والاطلاع. ولذلك، فإن ما حدث يعد تعديا على هيبة الدولة المتمسكة بالشريعة أساسا. والمفارقة أننا أمام أناس يعتقدون أن السعودية تفرط في الشريعة لأنها سمحت بكتب، بينما يقول آخرون إن السعودية تتشدد ضد الانفتاح. والحقيقة بالطبع هي لا هذه ولا تلك، بل إن الدولة، وأي دولة، من واجبها أن تراعي أمنها واستقرارها، وفق واقعها الحقيقي على الأرض، ووفق مسؤولياتها، وليس وفق الأماني والطموحات، والشعارات البراقة، سواء كانت دينية أو عصرية، ففي النهاية هناك واقع يحكمك.

لو أن هؤلاء المعترضين على معرض الكتاب قاموا بالتعبير عن آرائهم من خلال المنابر الطبيعية، سواء بالكتابة عبر وسائل الإعلام، وهذا من حقهم، أو من خلال الشكوى للمسؤولين السعوديين وقدموا مبرراتهم، أو أنهم على الأقل قاموا بتأليف كتب تبين مخاوفهم وطرحوها في المعرض لتكون الحجة بالحجة، أو قُل الكتاب بالكتاب، لكان ذلك أمرا منطقيا، وأكثر تحضرا. فما دخل اللطف في شيء إلا زانه، علما أنه لا حق لهم أساسا في الاعتراض على معرض الكتاب، أو مصادرة حريات الناس، أو أن يقرروا للدولة ما يجب وما لا يجب أن تفعله، فهذا ليس دورهم، وغير مقبول منهم أو من غيرهم، خصوصا أنهم أقلية حتى أمام زوار المعرض. لكن، وهذا الأهم، كون هؤلاء المعترضين قد قاموا بالذهاب بأنفسهم للمعرض وفعلوا ما فعلوه، فهذا أمر لا يجوز التساهل معه بأي شكل من الأشكال، فالاعتراض شيء، والتعدي شيء آخر.

[email protected]