قفازات حريرية محشوة بالرصاص!

TT

فجأة انطلق الرصاص على نافذتي. واتصلت بوزارة الداخلية، فلم يبق ضابط كبير على مقعده، كلهم جاءوا إلى البيت. ورأوا أثر الرصاص ودرسوا وبحثوا وتحدثوا. واتصل بي وزير الداخلية حبيب العادلي وقال لي: «زي الفل يا أنيس بيه». وقلت له: «شكرا».. من دون أن أعرف معنى الفل، ومن دون أن أعرف على أي شيء شكرته!

إذن أنا زي الفل. واتصل د.أسامة الباز مستشار الرئيس وقال لي: «الريس بيسأل فيه إيه؟»، قلت: «زي الفل». وضحك د.أسامة وقال: «يعني إيه؟»، قلت: «اسأل وزير الداخلية». وجاءت كل وكالات الأنباء وعربات الإسعاف. ونشرت وكالات الأنباء أن تبادلا للأعيرة النارية حدث بين قوات الحراسة وقوات معادية.. ولم أعرف شيئا من ذلك.

وخرج العشرون ضابطا كبيرا وعندهم إجابة واحدة هي: «ولد عبيط كان يصيد العصافير فانطلقت رصاصة أصابت نافذة الزجاج». وجاء العسكريون من الضباط الذين يتولون حراستي وتهامسوا ساخرين: «ولد عبيط إيه وعصافير إيه؟.. لا يمكن أن تنطلق رصاصة من الأرض تصيب النافذة في الطابق السادس..لا بد أن يكون لها ميل».. وأكدوا أن الرصاصة انطلقت من مستوى يقارب مستوى ارتفاع شقتي. من المضحكات أنني كنت أؤدي واجب العزاء، فجلس إلى جواري شاب قال إنه قريبي، وإنه كان مكلفا باغتيالي لكنهم عدلوا عن هذا القرار في آخر لحظة. وعرفت أن هذا الشاب مريض، وأنه وحيد أبويه، وقد مات لهما ثلاثة قبله.. فلو أبلغت أصدقائي في وزارة الداخلية لكان سبيله إلى السجن لا أعرف كم سنة.. وبعد عودتي من إسرائيل مع الرئيس السادات جاءتني مكالمة تليفونية: «أنيس بيه؟»..

أيوه..

- «انت تعرفني، ولكن في هذه الحالة أنا لا أعرفك ولا أعرف أبي.. أنا مكلف باغتيالك والله العظيم، ولولا حبك لأمك وبكاؤك عليها ليلا ونهارا لقتلتك اليوم.. والله العظيم. ولكن أقطع يدي إذا فعلت، فأنا أريدك أن تشعر بأن العدول عن قتلك مكافأة لك على حبك لأمك في زمن لا يعرف إلا الجحود وعدم الوفاء والقسوة على الأم والأب»!

وأغلق التليفون.. ولم يقل من هو ولا أنا فتحت فمي بكلمة!

وجاءت سيدة وقالت في التليفون: «عاوزة أشوفك ضروري»..

ورأيتها مرة ومرات وطال الكلام. وأيقنت أنها تعمل في المخابرات. وقد واجهت مثل هذه العلاقة كثيرا. وأبلغت السيد عمر سليمان رئيس المخابرات.. قلت له: «في عرضك ارحمني من البنات اللاتي يطاردنني. أرجوك.. هذا النوع من البنات الجميلات الذكيات». وجاءني الرد بأنه «منذ عشر سنوات توقفنا عن إطلاق البنات عليك». إذن هي مخابرات أخرى، وعندها قفازات مخملية محشوة بالرصاص.. والأعمار بيد الله!