اذهب إلى القدس.. سيدي الرئيس!

TT

واشنطن - اذهب إلى القدس سيدي الرئيس. إسرائيل قلقة؛ حيث كانت تفضل نظام الشرق الأوسط القديم. وكان بمقدورها أن تعتمد على الحكام المستبدين من أمثال الرئيس المصري حسني مبارك في قمع المجاهدين ونبذ إيران وخوض اللعبة الإسرائيلية الفلسطينية على طول الخطوط، وهو الأمر الذي خلق وضعا شبه مستقر ودائم، أكثر قبولا وتفضيلا من جانب القوة الإسرائيلية.

ويشعر الإسرائيليون بالقلق على نحو مضاعف. وهم يتساءلون، سيدي الرئيس، عما إذا كنت تحبهم قلبا وقالبا. وقد ذهبت إلى القاهرة وذهبت إلى اسطنبول، إذن ما هو المانع من زيارة القدس؟ لماذا لا تأتي سيدي الرئيس وتصلي معنا، وتشعر بألمنا؟

إن الإسرائيليين في غاية القلق؛ حيث بات من غير الممكن التنبؤ بنتائج الانتخابات - فقط انظر إلى الوضع القائم حاليا في غزة - وقد يتكرر هذا الوضع الآن في شتى أنحاء العالم العربي. وهناك جماعة «الإخوان المسلمين» التي تتحدث بشكل جيد لكنها تمثل تهديدا لإسرائيل. وماذا سيحدث إذا سارت الأوضاع في الأردن على هذا النحو أيضا؟

وقد أخبرني دانيال بن سيمون، عضو الكنيست الإسرائيلي الذي ترك حزب العمل مؤخرا، بقوله «أميركا هي شركة التأمين لإسرائيل، وفي الوقت الحالي نحن في حاجة إلى أن يأتي لنا الرئيس التنفيذي ويخبرنا بأننا (لسنا بمفردنا). ونحن نحتاج إلى هذا الأمر على وجه الخصوص لأن السياسة الإسرائيلية ليست مجرد مأساة، إنها سياسة جنائية تقريبا).

وهذا صحيح على كلتا الجبهتين، حيث يمكن أن يتم تبديد فرصة عظيمة مع بدء تجلي الربيع العربي. وأنا أجد أن كل هذا القلق الإسرائيلي مثير للإزعاج لأسباب أخلاقية واستراتيجية. والسبب الأخلاقي بسيط؛ وهو ما الذي يمكن أن يكون أقرب لقلوب اليهود من رؤية الشعوب تقاتل من أجل الإطاحة بالقمع والحصول على كرامتها وحريتها؟

وإذا توصلت إسرائيل إلى هذه النتيجة القائلة بأن حركات النضال النبيلة، بداية من بنغازي وصولا إلى البحرين، تجعلها ليست فاترة فحسب ولكن قلقة أيضا، إذن ما الذي حدث لروح الدولة اليهودية؟

والديمقراطية الأكثر حيوية في منطقة الشرق الأوسط تفتقد الجزء الأعلى من ولادة ديمقراطيات جديدة. وأولا، عندما يتمكن العرب من التجمع بشكل مشروع في أماكن غير المساجد، فسوف يتعرض الإسلام الراديكالي لضربة قوية. وثانيا، منحت المعايير الأميركية المزدوجة التي دعمت أشخاصا أمثال مبارك ذخيرة غوغائية لأعداء إسرائيل، خصوصا إيران.

وثالثا، الشعوب المقهورة هي شعوب غاضبة يمكن استغلالها بسهولة، بينما يتمثل التركيز القوي على تحسين حياتهم الخاصة، وليس على الصراع في أماكن أخرى. ورابعا، بدأت إمكانية المساءلة في أنظمة الحكم العربية بالقرب من إسرائيل في الضفة الغربية مع برنامج سلام فياض؛ ويجب أن تتقدم إسرائيل الموجة المطالبة بتحقيق الديمقراطية عبر تبني التنمية بدلا من ازدرائها. وليس هناك أي سبب يدعو للتفكير في أن التحرر العربي يقف عند حد فلسطين.

والصحوة العربية لا تتعلق بإسرائيل إلى الآن - وأنا لم أسمع مطلقا كلمة «إسرائيل» خلال أسبوعين قضيتهما في القاهرة - لكن هذا قد يحدث إذا اندلعت مناوشة أخرى. ولن يسهم أي شيء في تطرف الشعور الإقليمي، الذي يركز الآن على البناء بدلا من التدمير، بهذه الدرجة من السرعة.

لذا فإن المصلحة الأميركية والأوروبية والإسرائيلية والعربية الساحقة تكمن في كسر الجمود الإسرائيلي - الفلسطيني الخطير. ولكن كيف؟

وقد حدث شيء بسيط بين الكارثتين المصرية والليبية؛ حيث استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار لمجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة يدين بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

وقد سمعت أن هذا القرار كان قرارا فاجعا لأوباما، لأنه كان يرتقي إلى حد الاعتراض على مشاعره الشخصية، وتصريحاته تقريبا. وكان أوباما قد قال إن الولايات المتحدة «لا تقر بشرعية» المستوطنات التي يجب أن تتوقف. وصوت حلفاء أميركا الرئيسيون - ومن بينهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا - في صالح هذا القرار. وبالطبع، فإن أوباما هو الذي يواجه انتخابات خلال العام المقبل حيث يمكن أن يكلفه توبيخ إسرائيل الكثير.

وقد قيل لي إن أوباما حاول بشتى الطرق من أجل إقناع الفلسطينيين بسحب القرار. وعرض أوباما على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، حزمة تشمل بيانا للجنة الرباعية الدولية تلتزم فيه باستخدام حدود عام 1967 كأساس لحل مشكلة المستوطنات. ولم تذهب الولايات المتحدة، بخلاف الاتحاد الأوروبي، مطلقا إلى هذا الحد من قبل. لكن عباس كان يشعر بالضعف، وكان يتعرض للنقد والهجوم، وتلا ذلك استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو.

وكان هذا خطأ فلسطينيا، حيث كان يمثل هزة خططية على حساب تحقيق مكسب استراتيجي. ويحتاج الفلسطينيون بشكل ملح لفريق تفاوض مترابط.

وفي المقابل، تحتاج إسرائيل بشكل ملح لتوجيه معين. وقد تلا عملية التصويت حدوث مشادة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حيث سألها نتنياهو عن كيف يمكن لألمانيا أن تعاقب إسرائيل، وعبرت هي بدورها عن غضبها من المماطلة الإسرائيلية. وعندما تشعر ألمانيا، ثاني أقرب حليف لإسرائيل، بالإحباط إزاء المواقف الإسرائيلية، يرتفع سقف السخط والغضب من هذه المواقف.

وثمة سخط هنا أيضا؛ حيث تتعرض تصريحات أوباما لوضع صعب. وكان أوباما قد صرح خلال العام الماضي بأنه بحلول موعد اجتماع الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في شهر سبتمبر (أيلول) القادم «يمكننا أن نتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى ظهور عضو جديد بالأمم المتحدة، وهو دولة فلسطين مستقلة وذات سيادة تعيش في سلام مع إسرائيل».

ويبعد شهر سبتمبر بمقدار ستة أشهر فقط من الآن.

وقد كنت أتمنى أن لو كان هناك بديل إسرائيلي معادل للفيتو الأميركي الذي يناقض ذاته، أقصد نظيرا دبلوماسيا. وليس هناك بديل دبلوماسي. والآن تتحدث إسرائيل عن «اتفاقات مؤقتة» مجددا. ولن ينجح هذا. ويعرف الفلسطينيون الآن من يكسب من الاتفاقات المؤقتة. وتريد فلسطين الاستقلال، بينما تريد إسرائيل الأمن. وهذه مطالب لا يمكن التفاوض عليها.

ويمكن فقط لمقامرة أوباما أن تفك المأزق بحلول شهر سبتمبر المقبل. ويجب أن يذهب أوباما إلى القدس خلال شهر مايو (أيار)، وأن يتحدث أمام الكنيست. ويجب أن يوضح كل الطرق التي ستضمن من خلالها أميركا أمن إسرائيل. ولا بد أن يقنع إسرائيل بالامتناع عن حصار العقليات التي تعميها عن فرص الاستفادة من هذه العقليات. وبإمكان أوباما أن ينشر الحب.

ويستحق الشرق الأوسط الجديد بذل مجهود إضافي من أجل تغيير العقلية القديمة في إسرائيل.

* خدمة «نيويورك تايمز»