الشرطي في رأسها

TT

كانت قمة سرت العام الماضي أول قمة تعقد في ليبيا منذ 1964. وتتبنى القمة عادة مشاريع قرارات تتكرر كل عام، غير أن قمة سرت تميزت باقتراح جديد واحد تقدم به الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي: أن تعلن سنة 2010 «عام الشباب» في العالم العربي. تأخر ذلك شهرا واحدا، فبدأ عام الشباب في تونس السنة التالية، ومنها انطلق.

وبما أن قمة سرت يجب أن تكون مختلفة عن سواها، فقد وضع المنظمون، على مدار الساعة، نشيد «بركان الغضب» لعبد الحليم حافظ عبر مكبرات للصوت صاخبة ومزعجة. تعمد الأخ العقيد أن يكون «بركان الغضب» تهديدا لضيوفه، وجزءا من طريقته في مخاطبة أهلها، غير حاسب أن بركان الغضب الحقيقي سوف ينفجر في بنغازي ويمتد إلى طرابلس، ويهدد بالوصول إلى معقله في سرت التي جعلها ملتقى البحيرات والنهر العظيم كما يلتقي النيل الأبيض بالنيل الأزرق، من دون أنابيب أو تصنع.

نأتي إلى المصادفة الثالثة، 25 يناير (كانون الثاني) المصري. أرادته الدولة يوم الشرطة ورجال الأمن. وأعدت له كل ما تستطيع. فإذا به اليوم الذي يختفي فيه رجال الأمن عن الأعين. وإذا بالجيش ينزل إلى الشوارع والساحات، لكي يفصل بين الناس والشرطة. لم يدرك وزير الداخلية أن سمعة الأمن وسطوته لعبتا دورا كبيرا في تأليب الناس على نظام الرئيس حسني مبارك. العقل العربي يعتقد أن الشرطي يجب أن يكون فزاعة، في حين يدرب أطفال الغرب منذ الصغر على أن الشرطي هو يد المساعدة في كل الحالات، كل الأيام، كل الساعات.

درس متظاهرو مصر على الإنترنت كيفية مواجهة الشرطة، فجاءوا من جهات عدة وأربكوا رجالها. وبالإضافة إلى الهجانة والخيالة طلع رجال الأمن إلى السطوح وراحوا يرشقون المجتمعين بالحجارة. وفيما ازدادت الهوة بين المعتصمين والأمن، ازدادت القربى بينهم وبين الجيش. المؤسف أن لا جيش ولا أحد في ليبيا سوى كتائب القذافي. فقد أبقى الجيش ضعيفا لكي لا يكرر ضابط أو مجموعة ضباط ما فعله «مجلس الثورة» عام 1969. لم تعتمد الجماهيرية العظمى إلا على الأمن ورجال الأمن، سواء بالثياب الرسمية أو بثياب اللجان الشعبية! لذلك كررت إذاعة بنغازي الجديدة «إرسال التحية إلى أشقائنا في تونس ومصر والرحمة على محمد البوعزيزي ألهم الله أمه الصبر والسلوان، فهو تاج رأس العرب». وأما مذيعة التلفزيون التونسي فتوقفت فجأة عن تلاوة النشرة لتقول: «لقد أيقنت هذه اللحظة فقط أنني لست مضطرة بعد الآن إلى الإصغاء إلى الشرطي الذي في رأسي».