هل تحقق إيران مكاسب كبيرة من الانتفاضات العربية؟

TT

طرحت الثورات غير المسبوقة بمنطقة الشرق الأوسط سؤالا مهما: هل ستحقق إيران مكاسب من منظومة استراتيجية جديدة؟ من ناحية، يبدو أن إيران تحب ذلك، فلديها حلفاء داخل لبنان وقطاع غزة وسورية. وخرج من المشهد حليفان هامان للولايات المتحدة، الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس التونسي زين العابدين بن علي. وتزداد الاضطرابات داخل البحرين، التي يوجد بها الأسطول الخامس الأميركي في منطقة الخليج العربي.

ولكن الحديث المتصاعد عن المكاسب الإيرانية ربما يكون سابقا لأوانه، فالاضطرابات الأخيرة ربما لا تقوض السياسات الأميركية إزاء إيران مثلما يشير البعض، وربما توجد الكثير من الأشياء التي تخشاها إيران في غمرة الاضطرابات داخل الساحة السياسية بمنطقة الشرق الأوسط. وخذ على سبيل المثال ما حدث داخل مصر، فعلى الرغم من أن مبارك كان ينظر إلى إيران بقلق، فإن دور مصر في مواجهة إيران كان محصورا في مساعدة الحصار على غزة، وقد كانت هذه سياسة فاشلة لم تفض إلى الحد من النفوذ الإيراني. وتشهد مكانة مصر الإقليمية تراجعا بصورة مطردة منذ أعوام، حيث ركز نظام مبارك على الداخل ومشكلاته المحلية، وبدأت دول عربية أصغر، مثل قطر، تتولى أدوارا أكثر نشاطا داخل الساحة الدبلوماسية الإقليمية.

وحتى بين أصدقاء أميركا في الخليج، فقد تفاوتت المواقف إزاء إيران على مدار الأعوام، وتبنت دول فيها شيعة مواقف أكثر حسما مع إيران بالمقارنة مع مواقف قطر وسلطنة عمان. لم يكن لدى الولايات المتحدة في يوم من الأيام تحالف مناهض لإيران يمكن أن تخسره. وقبل بدء انتشار الاضطرابات أخيرا، كانت ثمة قيود على زعماء عرب من جانب الرأي العام، الذي كان يبدي بصورة مستمرة آراء ترحب بإيران ومواقفها المعادية لإسرائيل والغرب أكثر من الولايات المتحدة.

وفي الوقت الحالي، يبدو أن تواصل إيران المباشر المعادي لأميركا مع الشعوب العربية – من خلال الالتفاف على الحكام العرب كما حدث عندما قالت إن الانتفاضة داخل مصر شبيهة بالثورة الإيرانية عام 1979 – أقل أهمية، حيث إن الشعوب ترغب في التعامل مع الأمور بنفسها. ولا ترغب الشعوب في تشجيع إيراني، حيث لديها أساليبها الخاصة لمحاربة الأنظمة الفاسدة، ويقومون بذلك عبر وسائل غير عنيفة ومن دون مساعدة إيرانية. وعلى الرغم من أن الكثير من الأمور لا تزال غير مؤكدة، ولا سيما خلال ما قد يكون انتقالا ديمقراطيا طويلا، إلا أن المشهد الإقليمي الجديد ساهم في تعزيز، وليس تقويض، قوى الاعتدال داخل منطقة الشرق الأوسط.

وعلاوة على ذلك، فقد أحيت الثورات داخل العالم العربي الحركة المعارضة الإيرانية، التي تركها الكثيرون تموت. ومنذ الاضطرابات عقب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها داخل إيران عام 2009، يقوم متشددو إيران بتعزيز سيطرتهم داخل النظام الحاكم، مستمرين في الحكم من خلال تبني قوة غاشمة. وفي الوقت الحالي يواجه النظام الحاكم الإيراني ضغوطا داخلية أكبر مما قدره الكثيرون قبل أسابيع قليلة.

وتواجه الولايات المتحدة الآن قيودا أقل عند حشد الدعم للمعارضة الإيرانية في ظل المناخ الحالي. ومع تعثر مفاوضات جنيف بشأن البرنامج النووي الإيراني مع بدء انتشار الثورات العربية، وشكوك الكثيرين في مصلحة القيادة الإيرانية في الوصول إلى اتفاق، ترى إدارة أوباما فيما يبدو أنها لن تخسر الكثير بدعمها المعارضة الإيرانية بقدر أكبر. وهنا لا تواجه الإدارة الأميركية مأزقا مثلما واجهت عند مناقشة الوقوف إلى جانب المتظاهرين في تونس ومصر، حيث كانوا يهتفون بسقوط صديقين قديمين للولايات المتحدة. وكما تظهر الأحداث داخل ليبيا، فإن الاتجاه داخل واشنطن يبدو أنه يتحول عن التعامل مع دعم أنظمة استبدادية قمعية كضرورة لتحقيق الاستقرار. ويبدو في الوقت الحالي أن الاستقرار يعتمد على ضمان أن التحولات داخل الدول العربية تحدث إصلاحات حقيقية ودائمة.

وعلى ضوء تجاربهم الأخيرة، ربما يجد الزعماء العرب الجدد ومعهم الشعوب في قمع الجمهورية الإسلامية لشعبها شيئا مثيرا للنفور. وفي الواقع، ربما يكون من الأسهل تشكيل تحالف حقيقي مناهض لإيران داخل العالم العربي يعتمد الدعم للقوى المعارضة التي تحارب بهدف تحقيق إصلاحات وحقوق الإنسان وحريات، بالمقارنة مع تشكيل تحالف يعتمد على اتفاقيات عسكرية مع زعماء تعوزهم الشرعية.

شهد العقد الماضي، وبالتأكيد منذ الإطاحة بصدام حسين من قائمة أعداء إيران، تزايد النفوذ الإقليمي لإيران مع تراجع النفوذ الأميركي. وستحاول إيران الاستفادة من الأحداث الأخيرة من أجل دعم هذا الاتجاه. ولكن يمكن للولايات المتحدة أيضا الاستفادة من التغيرات الأخيرة والرغبة الواسعة في إصلاحات ديمقراطية بين الشباب في منطقة الشرق الأوسط. وفي الواقع يأتي الوقوف مع الشعب متناغما مع القيم الديمقراطية الأميركية، كما أنه استراتيجية جيدة لمواجهة النفوذ الإيراني.

* متخصصة في العلوم السياسية بمؤسسة «راند كورب» البحثية غير الربحية

* خدمة «واشنطن بوست»