معمر «الطاسة» القذافي!

TT

بالنسبة لأغلبية شاسعة من أبناء العالم العربي، بقيت ليبيا بلدا مجهولا بالنسبة إليهم. معلومات قليلة جدا يعرفونها عن هذا البلد. كل ما يعرفون أن هناك بطلا عظيما اسمه عمر المختار كان قائدا لمعركة الاستقلال من سلطة الاستعمار الفاشي الإيطالي، ويعرفون أيضا أنه بعد توحيد أجزائها الثلاثة حكمها ملك تقي صالح اسمه إدريس السنوسي، ويعلمون أيضا أن هناك رجلا غريب الأطوار يحكمها منذ 42 عاما اسمه معمر القذافي، وأن عهده مليء بالعجائب والأحداث المريبة كان أكبر ضحاياها الشعب الليبي نفسه.

نظام القذافي أنهى تماما كل سمات المجتمع المدني الليبي، فلا إنتاج فني أو ثقافي بكل أشكاله، ولا إنجاز رياضي، ما يعرف عنها مجرد هرج ومرج وفوضى غير خلاقة.

كل الشخصيات الليبية العامة هي «خارج» ليبيا؛ فليبيا التي خرج منها ذات يوم أحد أهم كتاب الفكر الإسلامي وهو الراحل الصادق النيهوم صاحب المؤلفات البالغة الأهمية، والروائي القدير الذي يعيش في سويسرا إبراهيم الكوني، والكاتب أحمد الفقيه، والإعلامي القدير محمود شمام، وهناك عدد لا يذكر من الفنانين أمثال حميد الشاعري وناصر المزداوي، ورياضيا لم تنجب غير لاعب كرة القدم طارق التايب منذ أيام الموهوب الأشهر الفيتوري رجب، واقتصاديا كان هناك المصرفي المعروف عبد الله السعودي، وغيرهم.. اختزل النظام الدولة كلها بشخصية العقيد القذافي وأشغل الناس بهلوساته الفكرية وغرائبه السياسية وأزيائه الغريبة وهوسه ونزواته العجيبة، محولا ليبيا وسياستها إلى مادة للضحك والسخرية، بينما أهل البلاد يعيشون تحت أشد أنواع التسلط والاستبداد والظلم.

القذافي يستخف بالعالم عموما، ويحتقر أفراد شعبه تحديدا، فهو يتهمهم بأنهم جرذان ومرتزقة ومتعاطو حبوب هلوسة ومختطفون من قبل «القاعدة»، ويستكثر عليهم طلبهم العادل بالحق والحرية بعد سنوات طويلة من الظلمات التي بنيت على يديه الآثمتين.

القذافي مادة كوميدية بامتياز، قراراته غير المفهومة وكتاباته المليئة بالأفكار الساذجة والسطحية وتصرفاته الجنونية من الممكن أن تجعله مادة فكاهية، ولكنه دمر ثروات بلاده وقتل الآلاف من شعبه؛ وبالتالي لا بد من الخلاص منه، فهذا لم يعد مطلبا ليبيا ولا مطلبا عربيا ولا إسلاميا ولا أفريقيا ولكنه مطلب عالمي وعادل.

القذافي اليوم يواجه العد التنازل السريع للأيام والساعات الباقية على حكمه السيئ، ولن يكون هناك من يتأسف على رحيل هذا الرجل الغريب، وستحرر ليبيا كلها من بقايا نظامه الدموي وسيقبل الناس لزيارة هذا البلد المجهول بالنسبة إليهم ليتعرفوا إليه وإلى ناسه عن كثب وقرب، ليروا مدنه وآثاره دون خوف ولا قلق ولا ذعر ولا التعرض لعبادة الأشخاص والزعماء التي كرست في ليبيا للأخ والزعيم وقائد الثورة وغيرها من الألقاب التي وضعها لنفسه وصدّق الأكذوبة التي صنعها، ولن يبقى للقذافي سوى ذكريات سيئة عن أيامه، ولكن سيترك إلهاما لكل شركات توصيل الطلبات والصحف والمطاعم في العالم، شعارات للتسويق العنيفAggressive marketing، فجميعهم سيرفع شعارات عن استعداده لتوصيل الخدمات والطلبات: شبر شبر.. بيت بيت.. دار دار.. زنقة زنقة!