مسؤولية الغرب عن الفساد العالمي

TT

العالم مدين للغرب بالكثير الكثير. القائمة طويلة. لا يمضي يوم إلا ويمنون علينا بشيء جديد. كان من آخر أفضالهم الإنترنت التي مكنت مصر وتونس من الانتفاض وإصلاح أوضاعهما. وفتح الأبواب لنشر الديمقراطية والشفافية وحرية الفكر بشكل لم تشهده البشرية من قبل. وكل ذلك دون أن ننسى الجانب السيئ منها كنشر الخلاعة وترويج الزنى والشذوذ، وكذلك نشر المعلومات المختلقة والمضللة.

ولا ننسى ما للغرب من مسؤولياته عن الكثير من المآزق السياسية في العالم الثالث كمشكلة فلسطين. ولكنني أود أن أضيف إليها أيضا المسؤولية عن نشر الفساد المالي على نطاق عالمي. اعتاد الغربيون على انتقادنا وتعييرنا بقبض الرشاوى والسرقات من بيت المال.. يقولون ذلك وينسون دورهم فيه. إن معظم ما يجري من ذلك يجري في بلدان كانت أو ما زالت تحت إدارتهم ونفوذهم وتوجيههم. وبالتالي يعرفون به جيدا. تضج الصحف الغربية بتفاصيله، كما لاحظنا مؤخرا عما جرى في هذين البلدين، مصر وتونس. لماذا لم يحاولوا ردع الحكام المحليين عن هذه الممارسات؟ بل لماذا تستروا عليهم؟ كل ما كان على الأميركان أن يفعلوه بالنسبة لنظام حسني مبارك مثلا هو تهديد المسؤولين بقطع هذه المساعدات أو استقطاع ما سرق منها.

حب الفلوس وجمع الثروة (كما عكسه آدم سميث في إنجيله للرأسمالية «ثروة الأمم») هو المحرك الذي مكن الغربيين من تحقيق هذا الرفاه والغنى والنهوض الحضاري. ولكن هذا الهوس بالكسب وجمع الثروة في الوقت عينه أدى إلى اقتراف شتى الجرائم كاستعباد الشعوب الفقيرة والأمم الضعيفة وخوض الحروب الدامية ونشر الرذيلة وتفسيخ العائلة وأخيرا عولمة الفساد المالي. شجعت ومكنت الحرامية من إخفاء ثرواتهم في حسابات سرية في بنوكها ثم استثمارها لهم وشراء ممتلكات بها. من أبسط القواعد القانونية المعترف بها عالميا أن قبول مال مسروق وحيازته يعتبر مشاركة في الجريمة. لا تقبل البنوك الغربية الآن فتح حساب لأي أحد مهما كان المبلغ صغيرا من دون محاسبة المودع عن وديعته وإثبات شرعيتها بالوثائق والمستندات. كما تعمل مؤسسات الضريبة على محاسبة أي مودع عن أصل وديعته ومن أين جاء بها لفرض الضريبة على أصولها وأرباحها. بيد أن هذه القاعدة التي يلتزمون بها تختفي كليا عندما يكون المودع من كبار رجالات العالم الثالث وجاءهم بالملايين. لا يسألونه من أين جاء بها. وكما قلت قبول مال مسروق وحيازته مشاركة في الجريمة.

وطبعا مشاركة في إشاعة الفساد والسرقات على حساب شعوب فقيرة وجائعة يتباكون عليها. أنا واثق لو أنهم حاسبوا ساسة العالم الثالث ومواطنيه من مهربين وحرامية عن ودائعهم ورفضوا قبول السرقات غير المدعومة بوثائق الشرعية لانخفض الفساد العالمي إلى درجة كبيرة. وبقيت الأصول في عالمها الأصلي واضطر أصحابها عندئذ إلى استثمارها محليا لمنفعة شعوبهم وتنمية بلدهم بدلا من استثمارها عند الغربيين وتنمية الاقتصاد الغربي وحل أزمتهم المالية في أوروبا وأميركا.