بلاد الرجال و.. الجمر

TT

يكتب الليبي هشام مطر بالإنجليزية روايات تلتف جميعها بغيوم من كابوس دائم. وتبدو روايته الأولى «في بلاد الرجال» وكأنها كتبت لمثل هذه الأيام المتفجرة، أو الجمرية كما توعد الأخ القائد، بأن يحول بلاده وأرض شعبه. لكن «في بلاد الرجال» كتبت بحبر جاف من رماد، يغمر الجمر ويغطي حياة المؤلف وحبره وأوراقه.

كان والد هشام مطر معارضا للنظام. وسوف يشاهد الابن رجال اللجان، المتعبدين للزعيم، يزرعون الحي رعبا ورهبة، ويسمع في البيت نداءات أمه لزوجها بأن يكف عن إثارة الأزلام والأوكار وحملة أعقاب البنادق. لكن لدى الأب أولويات لن يتنازل عنها للزعران الأربعة الذين يأتون كل يوم لترويع الحي والعائلة. في النهاية تهرب العائلة إلى مصر عام 1980. وفي عام 1990 تخطف عناصر من مخابرات اللجان الأب.

لم تعد العائلة تعرف شيئا عنه. ظل الأب يكتب الرسائل كما ظل بعض رفاقه في السجن ينقلون أخباره، ثم لا شيء، لقد هيمن صمت اللجان وحكم الشعب وعدالة «الكتاب الأخضر».

نشر هشام مطر فصلا من روايته الجديدة «نعيمة» في مجلة «نيويوركر»، من دون أن يذكر ليبيا هذه المرة بالاسم. وهي أيضا قصة عدم المساواة والظلم، ليس في المال والثروة، بل في الحقوق والكرامة الإنسانية. ويأمل هشام مطر أن يعرف شيئا عن والده، تماما كما تأمل أرملة منصور الكيخيا، وزير خارجية القذافي ذات مرحلة، أن تعرف شيئا عنه. وقد خطف الرجل أيضا من القاهرة. ولعل المجلس الحاكم يسارع إلى إعادة الاعتبار إلى مصر كملاذ آمن للاجئين السياسيين وليس كفخ يقع فيه العزل من الذين لم يتمكنوا أن يروا في «الكتاب الأخضر»، إلغاء لكل الكتب التي ظهرت من قبل.

ويتطلع لبنان إلى معرفة شيء عن مصير الإمام موسى الصدر الذي وجهت إليه دعوة رسمية لحضور احتفالات الفاتح عام 1979، وأخفي هناك مع رفيقين له. وقد كتب رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رئيس فنزويلا، هوغو شافيز، يناشده عدم التوسط بين العقيد والشعب الليبي، شارحا أفعال النظام. ولا يدري المرء كيف خطر لشافيز أن يكون وسيطا، واستنادا إلى أي مبادئ. ربما كان الأمر ممكنا بعد في 18 فبراير (شباط)، أما بعد كل تلك الخطب والمجازر والغارات واستيراد المزيد من المرتزقة، فلم يبق للقومندان شافيز ما يعرضه سوى كرم الضيافة.

كان أجدى ببطل فنزويلا أن يعرض إرسال حليب أطفال إلى بنغازي أو زجاجات مياه إلى عشرات الآلاف المعذبين على حدود تونس، أو التعويضات على عشرات آلاف العمال والموظفين الذين اضطروا إلى الهرب من نعيم اللجان الثورية وحكم الشعب وبلاد الزحف المقدس بالمقاتلات التي اشتريت لتحرير فلسطين واستخدمت لقصف الحالمين بالخلاص.