أنا أعانق.. إذن أنا موجود!

TT

لا نهاية للمتعة إذا قرأت روايات الكاتب الإيطالي صديقي ألبرتو مورافيا، الذي ترجمت له عشرين قصة قصيرة وروايتي «فتاة من روما» و«القبعات». وقد التقيت به أكثر من مرة في بيته في روما، والتقيت به في برلين، وفي هافانا. وكانت زوجته الأولى الروائية السه مورانته سيدة ظريفة عصبية جدا.. ولم يرحمها لسانه الطويل. وعرفت زوجته الثانية البولندية الجميلة داتشا مارياني، وترجمت لها رواية «زمن الاحتقار». ولم يفز بجائزة نوبل في الأدب لأنه جنسي صريح، ثم إنه شيوعي ملحد.. وكذلك المتعة المؤكدة عندما تقرأ مسرحيات الأديب الأميركي تنسي ويليامز، الذي يحتفل العالم بمئوية مولده هذا العام. وقد ترجمت له «فوق الكهف» و«عربة اسمها الرغبة» و«مقالات وحوارات أدبية». وهو شاذ جنسيا، ويتعامل مع الناشرين بعظيم الاحترام. فإذا قال لهم إنه يستعد لكتابة مسرحية جديدة راحوا يختارون له الأماكن التي يستريح إليها في أي مكان في العالم بعيدا عن ضوضاء المدن الكبرى وملاحقات التلفزيون والسينما، وتكون هذه الدعوة مهما طالت على حساب الناشر. أيها الناشرون في بلدنا اقرأوا وارحموا المؤلفين لا رحمكم الله!

وفي إحدى المرات اختاروا له هاواي، ثم اختاروا جزيرة كابري، أو إحدى جزر الكناريا. لكن تنسي ويليامز بعد أن أطال التفكير قرر أن يذهب إلى جبال الهيمالايا.. قمة الهيمالايا.. لكنهم أشفقوا عليه، فهو يشكو من رئتيه. وأصر المؤلف على أن يبعث الناشر بطبيب معه حتى يفرغ من العمل المسرحي.. وكان لهم شرط واحد، هو ألا يلتقي بأصدقائه، وألا يعطي عنوانه لأحد. فوافق على مضض. وكل مسرحياته غارقة في الجنس، وهو لا يفتعل الجنس وإنما يضعه في كل شيء.. والحقيقة أنه في كل شيء، أو أنه كل شيء. ولأنه قد اعتاد على هذه الأجواء فإنه يستطيع أن يجدها، وأن يمتحن السلوك الإنساني في جحيم الجنس ببراعة وشفافية عجيبة.

وإذا كان الفيلسوف الفرنسي ديكارت قال: أنا أفكر.. إذن أنا موجود..

وإذا كان الفيلسوف الوجودي سارتر قال: أنا موجود.. إذن أنا أفكر..

وإذا كان الشاعر الإنجليزي بايرون قال: أنا أقبّل.. إذن أنا موجود..

وإذا كان الفيلسوف الشيوعي ماركس قال: أنا آكل.. إذن أنا موجود..

فإن تنسي ويليامز قال: أنا أقبّل وأحتضن وأذوب.. إذن أنا موجود!