ما هذه المسخرة؟ ارقصوا.. غنوا.. افرحوا.. امرحوا

TT

كان خطاب القذافي لأهالي الزاوية فريدا من نوعه. كان مرآة صافية للغاية، عكست حقيقة القذافي. نشر الخطاب في صحيفة «الجماهيرية» يوم السبت 26 فبراير (شباط) الماضي، ولفت انتباهي ثلاث فقرات جاءت ضمن هذا الخطاب أردت التعليق عليها.

1 - كيف؟.. ما هذه المسخرة؟ عويلة، صبية صغار، أعمارهم 16 و17 عاما تم إعطاؤهم حبوب الهلوسة. هناك معلومات عن مصنع ألبان في مصراتة يزودهم بها، يضعها في اللبن ويدفعونهم عند الليل بعد أن يسقوهم حبوب الهلوسة ويضعوها لهم أيضا في المشروب وفي القهوة السريعة (النسكافيه) وبعد أن يشربوا الحبوب يقولون لهم اذهبوا وهاجموا مراكز الشرطة ومزقوا اللافتات، بن لادن بالشعبي، وإنهم يريدون تبديل النظام الجماهيري بابن لادن. أنتم ما دخلكم في بن لادن؟

2 - عملاء جهاز المخابرات الإسرائيلية هم وراء ما يجري في مصر.

3 - التوانسة يكرهون بن علي لأن زوجته طرابلسية.

تعبر الكلمات السابقة بوضوح عن تفسير القذافي السياسي للثورة في تونس ومصر والثورة الجارية في دولته ليبيا.

فكيف يمكننا الرد على هذا التحليل السياسي الفريد؟ هناك طريق سهل، يمكننا القول إن القذافي رجل مجنون خطير، كما يقول الدكتور عكاشة: «إن علاج القذافي كمريض نفسي وإيداعه مصحا نفسيا سوف يحرم شعبه من محاكمته كمجرم حرب بعد استخدامه للأسلحة والطائرات والدبابات لتفريق المظاهرات اللبيبة ووصفه للمتظاهرين بأنهم جرذان تارة، وتارة أخرى بأنهم يتعاطون الحبوب المسببة للهلوسة». واستبعد عكاشة فكرة أنه من الممكن أن يتنحى القذافي عن حكم ليبيا، وأن نهاية القذافي ستكون إما الانتحار أو القتل، مشيرا إلى أن الرئيس الليبي يعاني من ضلالات العظمة والنرجسية المفرطة والتوحد مع السلطة والكرسي والذات. ويعتقد أنه الوحيد صاحب الرأي الصائب في العالم، ومبعوث العناية الإلهية كمعلم، وأنه الوحيد القادر على أن يحكم العالم.

ما يعنيه ذلك هو أن القذافي ليس مجنونا عاديا، إنه من نوع خاص، قادر على استخدام الطائرات والدبابات والمرتزقة لقتل شعبه. وقد ذكرت تقارير أنه قتل حتى الآن آلاف الليبيين الرافضين لوجوده. فهو يقول إما أن يحكمك أو يقتلك. يجب عليك أن تحبني كزعيم، وإذا لم تحبني فسوف أقتلك. هذه هي النسخة الجديدة من الحب في العالم المعاصر.

أنا أود أن أستكشف الجذور الرئيسية في أفكار العقيد القذافي وشخصيته. القذافي رمز، لكن لسوء الحظ، هناك بعض السياسيين مثل القذافي في الدول الإسلامية وغير الإسلامية، هوياتهم متشابهة، لكن أسماءهم مختلفة، منهم على سبيل المثال، ستالين وهتلر وموسوليني وصدام وآخرون يمكن وصفهم وتصنيفهم ضمن هذه الفئة. فئة الاستبداد. والديكتاتور دائما ما يكون وحيدا. والقذافي كدس المال وكان مثل بن علي يخفي بعض المال بين الكتب وبين الأرفف في المكتبات! كما كان يخفي أيضا كميات ضخمة من المال في حساباته السرية أو الطبيعية في الولايات المتحدة أو الدول الغربية، خاصة في سويسرا.

المظهر الآخر للاستبداد يتمثل في النفاق، فعلى سبيل المثال عندما نقرأ في كتاب القذافي (الكتاب الأخضر) في الفصل الثالث يقول: «إن المحرك للتاريخ الإنساني هو العامل الاجتماعي.. أي القومي، فالرابطة الاجتماعية التي تربط الجماعات البشرية كلا على حدة.. من الأسرة إلى القبيلة إلى الأمة هي أساس حركة التاريخ». هاتان القاعدتان المهمتان تأسستا على كذبة كبيرة، فالطغاة المستبدون يزعمون أنهم على استعداد للتضحية بأرواحهم فداء لشعوبهم وأوطانهم. ودعوني أضرب لكم مثالا على ذلك، بحسني مبارك الذي دأب على التغني بحب مصر والمصريين. وقال أيضا إن «الكفن ليس له جيوب»، لكن ما نشهده الآن هو أن مبارك لم يكدس ثروات ضخمة في الكثير من الحسابات فحسب، بل إن أفرادا من عائلته أيضا يملكون الكثير من الحسابات المكدسة بالأموال. وقد نشرت المبالغ الموضوعة في هذه الحسابات في الصحف المصرية.

وعندما يقول القذافي: ارقصوا، غنوا، امرحوا، ينسى أنه نزع - خلال أكثر من أربعة عقود هي مدة حكمه - السعادة من قلوب شعبه، وأزالت أفعاله البسمة عن شفاه الليبيين.

ويبدو لي أن إحدى الوثائق المهمة المتعلقة بالموقف السياسي الحالي في ليبيا رواية هشام مطر «في بلاد الرجال»، التي نشرتها دار بينغوين، والتي تعتبر تشريحا مهما لما يجري داخل الحكومة الليبية والشعب الليبي.

تخيل عائلة بسيطة للغاية تجلس في منزلها، ومعهم أصدقاؤهم المقربون وصورة كبيرة للقذافي معلقة على حائط غرفة المعيشة. والد الأسرة المضيفة مختطف من قبل الأجهزة الأمنية (أي المخابرات). لا تجرؤ هذه الأسرة على الحديث عن الوالد لأن العيون الدامية والخطرة تحدق فيهم. إنهم ينظرون إلى صورة القذافي، قائلين إن الحوائط لها آذان، فيكف يمكن أن تكون هناك أي مساحة للسعادة؟

عندما يشعر الناس بأن قلوبهم وعقولهم مليئة بالألم، وعندما لا تكون لديهم أدنى فكرة عن أماكن وجود أزواجهم وإخوانهم وأبنائهم وأصدقائهم، كيف يمكنهم أن يرقصوا ويغنوا ويستمتعوا بحياتهم؟