مظاهرات كردستان.. ما ومن وراءها؟

TT

تشهد هذه الأيام مدينة السليمانية وبعض المدن الكردية الأخرى مظاهرات حاشدة ضد الحكومة، مطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية أسوة ببعض المحافظات الجنوبية في العراق. إذ إن هناك من يعتقد أن مدينة السليمانية لم تأخذ حظها من العمران والمشاريع والخدمات مقارنة مع أربيل، وتعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية من المياه والكهرباء وتدني درجات وظائفها. والمعلوم أنه إبان الاحتراب الداخلي الذي حدث في كردستان، حكم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مدينة السليمانية والمناطق التابعة لها، وكان أكثر سكانها من مؤيدي حزب الاتحاد لسنين طويلة. لكن مؤخرا ظهرت حركة التغيير بسبب التدني النسبي لمستوى الخدمات ورصدها للفساد الإداري والمالي، مما ساعد على ازدياد نفوذها في المشهد السياسي، وأخذت توسع من دائرة نفوذها واستحوذت على مساحة من مؤيدي الاتحاد بعد اللعب على أخطاء المسؤولين في المحافظة. وفي محاولة من الاتحاد الوطني لاستعادة نفوذه في السليمانية تم ترشيح الدكتور برهم صالح كرئيس لحكومة إقليم كردستان وهو من أهالي السليمانية، وكان لهذا الاختيار وقع سعيد على أهالي السليمانية. ولكن على الرغم من وجوده في السليمانية أكثر من موضع عمله في أربيل بوصفها عاصمة الإقليم، ومع اهتمامه الاستثنائي بالسليمانية، (هناك من يرى أنه حتى في اجتماعاته مع المستثمرين والتجار كان تركيزه ينصب على السليمانية)، مع ذلك ازداد نفوذ وتصاعد نشاط حركة التغيير في الشارع وتحولت مظاهراتهم من مطالب خدمية إلى مطالب سياسية. نقول سياسية لأنه من غير المعقول مقارنة الوضع الخدمي في الإقليم مع باقي المحافظات العراقية ولا المستوى المعيشي، إذ جاء في تقرير لوزارة التخطيط العراقية أن مستوى خط الفقر، بلغت نسبته في محافظة أربيل 3 في المائة، والسليمانية 3 في المائة، في حين تجاوزت النسبة الأربعين والثلاثين في بقية المحافظات حتى بلغت في إحداها 49 في المائة، وهذا ما يؤشر الفارق الاقتصادي بين الإقليم وبقية أنحاء العراق. لذا نرى أن أرجحية الدوافع في الواقع للمظاهرات هي سياسية بالدرجة الأولى.

وهناك من يؤكد أن ما يقف وراء هذه الاحتجاجات ليس مظاهر الفساد فقط، وإنما أياد خارجية في مقدمتها إيران، إذ عقدت الدول المجاورة لإقليم كردستان العزم منذ البدء على أن لا يدعوا هذه التجربة الفتية والرائدة أن تنجح، لأن نجاحها - في رأيهم - سيشكل خطرا كبيرا على أمنها ووجودها، وما جرى مؤخرا من اعتداء على المواطنين الكرد في كركوك يظهر حجم المؤامرة التي تحاك ضد الشعب الكردي. لذا نعتقد أن القادة الكرد يقفون أمام منعطف تاريخي كبير لشعب عانى الكثير من الظلم والويل والمعاناة.

والمعروف أن معظم الحركات الكردية تلقت ضربات موجعة على مر التاريخ بسبب الخيانة والفساد ومؤامرات دول الجوار، فعلى القادة الكرد أن ينصاعوا هذه المرة إلى صوت الشعب الذي ينادي بالإصلاح، وهذه المطالب حق مشروع وحالة صحية تجعل القادة السياسيين يراجعون أنفسهم قبل اتخاذ أي قرار.. فوعي الناس تغير وما عاد يرضى بالتسويف والوعود. وبالمقابل علينا أن ندرك خصوصية وضعنا في الإقليم وحجم المخاطر التي تواجهنا، وإلا فإن ما وصل إليه الإقليم بخطوات صعبة وتضحيات جمة سيتبخر، لأن أي تمدد غير مسؤول ومدروس للفوضى سيؤدي بالشعب نحو الهلاك والعودة إلى نقطة الصفر.

أمن الإقليم غال جدا، وما قامت به المؤسسات الأمنية من سهر وجهد وتضحيات، يعد ثروة حقيقية للمواطن الكردي، بل أكثر من ذلك، أصبح الإقليم ملاذا آمنا لجميع العراقيين. والفاسدون يمكن الإطاحة بهم.. ولكن إذا تزعزع أمن الإقليم فمن الصعب إعادته. لذا على الحكومة أن تتحرك بسرعة نحو الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وإن القضاء على الفاسدين هو مطلب الشعب، والتضحية بمصالح أشخاص أفضل من العبث بمصير شعب بأكمله.

* كاتبة كردية عراقية