الدبلوماسية والقانون

TT

تشكل الأمم المتحدة مدرسة اختبارية نموذجية للدبلوماسيين. بعكس السفير الذي توكل إليه العلاقات الثنائية في بلد ما، ينفتح الدبلوماسي في الأمم المتحدة على معظم قضايا العالم. ويتابع في مجلس الأمن معالجة القضايا الملحة. ويتسنى له عبر السنين رؤية زعماء الدول عن قرب، ومعرفة مواقف الأعضاء والأسباب التي تحرك تلك المواقف. وإلى ذلك فإن العقود الأربعة الأخيرة جعلت من المنظمة الدولية منبر قضايا المنطقة وخزانة قراراتها.

الدكتور نبيل العربي هو ثالث وزير خارجية مصري يأتي من تلك التجربة بعد الدكتور عصمت عبد المجيد والدكتور عمرو موسى، لكنه أضاف إليها تجربة بالغة الثراء كقاض في المحكمة الدولية في لاهاي. وقد يشكل وصول العربي إلى الخارجية تغيرا جوهريا في سياسة مصر التي كانت قائمة في العهد الماضي.

وقد عرض الرجل مواقفه في مقال كتبه لـ«الشروق» قبل حين، غلبت عليه اللغة الدبلوماسية في موضوع «الاتفاقات والمعاهدات»، والصراحة في قضية غزة، إذ اعترض على سياسة مصر تجاه الحصار، من موقع قانوني صرف.أما بالنسبة إلى المعاهدات فقال إن على مصر أن تحترمها، لكنه في الوقت نفسه أعطى أمثلة على إلغاء اتفاقات دولية من طرف واحد، منها اتفاقية السويس، وإقدام السادات على إلغاء معاهدة الصداقة مع الاتحاد السوفياتي وطرد الخبراء الروس.

يرى الوزير الجديد أن سياسة بلاده الخارجية كانت مجرد ردود أفعال على تطورات المنطقة والعالم، وتاليا لا بد من إنشاء سياسة فعالة وناشطة تعيد إلى مصر دورها وحجمها. ولذا يقترح تشكيل مجلس أمن قومي يرسم استراتيجية واضحة في قضايا العالم.

يتمتع الدكتور العربي بطبع واثق وشخصية منفتحة. وفي مرحلة التغيير هذه تنتظره مهام شاقة، على الصعيد السياسي وعلى مستوى إعادة تنظيم وزارته. وقد تطول المرحلة الانتقالية في مصر. وكلما طالت فقدت الثورة والدولة شيئا من رصيدهما. فقد انفتح باب المطالب والظلامات، وما أكثرها، لكن هذه لا يمكن أن تلبى في مناخ من عدم الاستقرار والفوران وتعطل المؤسسات. الإصلاحات في حاجة إلى أبحاث ودراسات. ولعل أكثر ما يمكن أن يفيد فيه الدكتور العربي، ضمن الحكومة، هو ما كان يدعو إليه خارجها، من تعديلات وتغييرات في النظم القانونية المتراكمة.

لا يكفي أن يفرض ميدان التحرير على المجلس العسكري رجالا نظفاء ومؤيدين للتغيير. فالمطلوب في مثل هذه المرحلة من إعادة التأسيس، البحث عن الكفاءات القادرة على النهوض بمصر من سنين العثرة، وإخراجها من زمن العبّارات الغارقة والقطارات المحترقة والهجرة المَرَضية إلى زمن أفضل.