من حكايات الزهور

TT

وصلتني من القراء هذه الحكاية الطريفة عن زهرة أنقذت حياة عائلة. كانت إحدى الفتيات الأرستقراطيات قد زفت من الكنيسة مع عريسها في موكب غفير. وفجأة صادفت جنازة فقيرة في طريقها للمقبرة تحمل تابوتا حقيرا عاريا من أي أزهار على خلاف التقاليد الجنائزية في الغرب. لم تتمالك العروس أن نزعت وردة من إكليلها ووضعتها على التابوت ووقفت وأوقفت موكب عرسها لتسمح للجنازة بالمرور. بعد بضع سنوات اندلعت الثورة الفرنسية ومعها عهد الإرهاب. ألقوا القبض على الزوجين الأرستقراطيين وحكموا عليهما بالإعدام. شدوا أعينهما وساقوهما للمقصلة بيد أحد جنود الثورة. بيد أن المسيرة استمرت طويلا. ثم تركهما الجندي واختفى. نزعا العصابة من أعينهما فوجدا نفسيهما أمام بحر المانش الذي يؤدي لبريطانيا. وتحت العصابة وجدت البنت رسالة موجزة، تقول: أنتِ التي وضعتِ وردة على تابوت أختي. لم أنس حسن فعلك هذا فليس لي غير أن أرد على ذلك الجميل بإنقاذك من الموت وإطلاق سراحك.

للأزهار حكايات كثيرة في التراث الغربي. فهي تشكل جزءا من حياتهم اليومية. قلما يوجد بيت خال منها. وهم ينصحون من لديه مشكلة أو شكوى فيقولون «قلها بالأزهار». فالطرف الآخر ستلين قناته عندما تقدم له باقة ورد. ومن هذا المنطلق شاعت بينهم شتى الحكايات الفولكلورية والأدبية المتعلقة بالورد والأزهار. ليس لدينا شيء من ذلك فنحن مشغولون بالخبزة ولقمة العيش.

يروي السويسريون حكاية الفتى الذي جلس مع حبيبته الغريرة في مقهى جبلي فطلبت منه إذا كان يحبها فعلا أن يأتيها بوردة من أوراد الزنبق لا تنبت إلا في أعلى قمم الألب في أبرد أيام الثلج والصقيع. لو كانت امرأة فلسطينية من غزة لقالت له «إذا تحبني جيب لي ساندويتشة فلافل». ولكنها كانت فتاة سويسرية مولهاً بها فتاها، فلم يعد له غير أن يلبي طلبها. ترك المقهى باتجاه الجبال المتثلجة والقوم ينظرون إليه مشدوهين. سار واختفى بين كثبان الثلج. وطال انتظاره وآنت الشمس بالغروب. خرجوا يبحثون عنه بالفوانيس وينادون باسمه دون جدوى حتى أطل نور الصباح فوجدوه جثة متجمدة في قعر الجبل. نظروا فوجدوه ماسكا بوردة الزنبق التي عاد بها من قمة جبل الألب.

وعبر الحدود، يروي الألمان حكاية شاب من نوع آخر. اصطحب حبيبته لحديقة الحيوانات. اشترى لها وردة عند بابها وأهداها لها. تجولا في الحديقة حتى وصلا الى أقفاص الأسود. أسقطت الفتاة الوردة في القفص متظاهرة بأنها سقطت من يدها عفوا. ومن تقاليد الأدب الغربي أن يسرع الرجل ويلتقط ما سقط من امرأته ويعيده إليها. ولكن كيف والوردة الآن في قفص الأسد؟ أيغامر بحياته ويدخل القفص؟ أم يجبن فيفقد احترامها واحترام الناس له؟ الجبن عند الألمان شيء لا يطاق. تقدم نحو باب القفص ودخل. ويظهر أن الأسد احترم شجاعته فوقف ينظر إليه ويهز برأسه. التقط الوردة وخرج. حملها نحو فتاته ثم لطمها بالوردة على خدها لطمة هزت الحاضرين. ثم مشى في طريقه تاركا وراءه المرأة الغريرة.