كيف نضع أميركا على الطريق اقتصاديا من جديد؟

TT

نيويورك - يحدو الأميركيين، الذين كانوا يعتقدون أنهم ملكوا المستقبل، شعور بالقلق عندما ينظرون عبر المحيط الهادي إلى الصين الصاعدة بقوة والتي استطاعت بناء أكبر شبكة من خطوط القطارات السريعة في العالم وتسيطر على قطاع الطاقة الشمسية ويحصل طلابها على التقديرات الأعلى في الاختبارات الدولية.

بالطبع ما زالت الصين تعاني من اتساع نطاق الفقر، كما أن معدلات الدخل بالنسبة للفرد تمثل أقل من عُشر نظيرتها في الولايات المتحدة الأميركية. ولكن بينما تحقق الصين مكاسب بهذه السرعة، ستظل الولايات المتحدة تتلاشى تدريجيا وببطء ما لم تتخلص من عادات وسياسات وممارسات العقود الأخيرة.

ماذا تستطيع أميركا أن تفعل لتعود إلى الطريق مجددا؟

يحصر الاقتصاديون أنفسهم في ثلاثة عوامل - رأس المال والعمال والإنتاجية - عند شرحهم سبب وكيفية نهضة الدول. وعند إلقاء نظرة سريعة على الاقتصاد الأميركي على ضوء هذا الإطار المكون من ثلاث نقاط تظهر لنا بعض الأمور.

بالنسبة لرأس المال، ظلت الولايات المتحدة الأميركية خاصة بعد الأزمة المالية العالمية مثقلة بأعباء الديون الكبيرة (التي تقدر بنحو 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، وبعجز مالي يخشى الكثيرون ألا يمكن تحمله – ويقدر بـ10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي تقريبا. وهناك العديد من الأدبيات الرزينة التي توضح أن هذه المستويات من العجز يمكن أن تؤثر سلبا على مستوى النمو الاقتصادي في المستقبل القريب.

ثانيا: بالنسبة لعنصر العمال، من المتوقع أن يرتفع عدد الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر داخل الغرب الصناعي بنحو 250 في المائة، وبالتالي ستزيد بشكل ملحوظ تكاليف التقاعد والرعاية الصحية ما بين عامي 2010 و2050.

وأخيرا، فيما يتعلق بالإنتاجية، التي يعتقد الاقتصاديون أنها العامل الأهم الذي يرجع إليه على الأقل 60 في المائة من أسباب النمو في دولة ما دون الأخرى، تظهر إحصائيات مكتب العمل أن إنتاجية الولايات المتحدة الأميركية عبر القطاعات الاقتصادية المختلفة ظلت في إطار مسار النمو المطرد خلال العقود الأخيرة.

ولكن إذا لم تطرأ متغيرات جديدة، يحتمل تراجع إنتاجية الولايات المتحدة، لا سيما في المجال التكنولوجي والابتكاري. وبالفعل وطبقا لتصنيف تقييم الطلاب طبقا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فإن الطلاب الأميركيين متأخرون كثيرا في العلوم والرياضيات، وهما المادتان اللتان تحتاج إليهما الولايات المتحدة بشدة للحفاظ على قدرتها التنافسية.

ولكن تعاني الولايات المتحدة الأميركية من عنصر ضعف أكبر، وهو أن محاولاتها لعلاج أزماتها الاقتصادية غلب عليها التركيز على مشاكل تكتيكية قصيرة الأجل ولم يخصص قدر أكبر من السياسات لدراسات هيكلية ذات مدى أطول. ومؤكد أن الإدارة والمعالجة قصيرة الأجل للديون والعجز لهما أهميتهما في التخطيط لتحقيق ازدهار اقتصادي واستدامته مستقبلا. وبالتأكيد فإن هناك اعترافا ضمنيا بكثير من المخاطر التي تواجهها أميركا على المدى الأطول؛ فخطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما كان نموذجا أخيرا يظهر ذلك. ومع ذلك يبقى الاهتمام الرئيسي متعلقا بالتزامات أميركا تجاه المعاشات والبنى التحتية المهلهلة.

وبصفة عامة نعرف المشكلات، ولكن أين هي تلك السياسات الجريئة التي تضمن على سبيل المثال أن الولايات المتحدة لن تترنح تحت ضغط أزمة الرعاية الصحية التي تلوح في الأفق وستواجهها الولايات المتحدة في العقود القليلة المقبلة؟

وعلى سبيل المثال، من المتوقع أنه ما بين عامي 2010 و2050 ستكون هناك زيادة نحو 164 في المائة في مرضى السكر، مع أكبر زيادة في مرضى السكر من النوع 2. وقدرت جمعية الزهايمر الأميركية أن التكلفة المتوقعة للزهايمر قد تتجاوز البليون دولار (وهو ما يساوي تقريبا 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي بمعطيات الأيام الحالية لمرض واحد فقط) في هذه الفترة.

وعلى هذه الخلفية، كيف تستطيع الولايات المتحدة أن تفوز؟

لكي نظل في المنافسة العالمية، فعلى الولايات المتحدة أن تخصص كميات كبيرة من رأس المال السياسي والموارد الاقتصادية لمعالجة القيود الهيكلية الأكثر تعقيدا. وهذه قضايا سياسية محل انتقاد دائم يفضل السياسيون تركها، مثل التعليم والبنية التحتية والاكتفاء من الطاقة. ولكن إذا كانت هناك فرصة حقيقية لتحول مستدام في الاقتصاد الأميركي، فهذه القيود الهيكلية يجب أن تحتل صدارة أجندة السياسات المزدحمة بالفعل.

وتعني أسس المجتمع الغربي القوية، التي تقوم على تقديس حقوق الأفراد واختياراتهم وحريتهم وإعطائها أولوية على المجتمع في المجمل، أن حلول الحكومة للمشكلات الهيكلية يجب أن توظف بعض أشكال الحوافز. ويجب أن تحفز عملية صناعة السياسات الناجحة الأفراد لاتخاذ الخيارات التي تفيد الاقتصاد ككل على المدى الطويل.

تحقق الضرائب التي تهدف منع سلوكيات البعض، نظريا، ثمرة، لكن يمكن النظر لهذه الضرائب (فكر في ضريبة غذائية لأكل الهامبرغر) على أنها عائق أمام الحريات الفردية. وهنا يكمن الاختلاف عن الصين حيث لا توجد مثل هذه القيود على الحكومة الصينية.

تجرب بعض الدول مثل البرازيل والمكسيك استراتيجيات السياسات المعتمدة على الحافز. وتساعد هذه التحويلات الشرطية، كما يصطلح على تسميتها، على الدفع والمكافأة ودعم الأفراد «كي يقوموا بالشيء الصحيح». وعلى سبيل المثال، يكافأ المواطن نقدا مقابل كل شيء، بداية من التزام الأطفال بالحضور في المدرسة وصولا إلى الالتزام بالتطعيم.

وفي سياق اقتصاد الولايات المتحدة يمكن أن تبدو هذه المكافآت كمدفوعات خاصة للأفراد الذين يختارون دراسة الرياضيات أو العلوم أو أولئك الذين يحققون المستهدفات الصحية في تقليل الكلسترول أو تقليل الوزن.

وستبدو فكرة دفع الدولة للأفراد كي يقوموا بالأشياء التي يتوجب عليهم القيام بها لدى البعض فكرة راديكالية وغير عادلة. ولكنه من ناحية أخرى، فإنه من دون إكساب المواطنين مهارات من جديد وإعادة توجيه رأس المال تجاه استثمار بناء وليس الاستهلاك، ستبقى الولايات المتحدة في طريق خطير يفضي إلى تردٍّ اقتصادي على المدى الطويل.

* اقتصادية ومؤلفة كتاب «المعونات الميتة: لماذا لا تجدي المعونات؟ وكيف تكون أفضل بالنسبة لأفريقيا»، وحديثا صدر لها كتاب «كيف خسر الغرب: خمسون عاما من الحماقات الاقتصادية والاختيارات القاسية الماثلة».

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»