لقيادة المنطقة.. مصر بحاجة إلى نسائها أيضا

TT

في أعقاب الانتفاضة الشعبية التي أدت بنجاح إلى إنهاء ثلاثين عاما من حكم الرئيس السابق مبارك، قال ناثان براون - الأستاذ بجامعة جورج واشنطن والذي قام بدراسة شؤون العالم العربي لعدة عقود: «لأول مرة ينظر هذا الجيل من الشعوب العربية لمصر كمصدر للإلهام والأمل». ولدى مصر الآن فرصة تاريخية لأن تكون رائدة التقدم الاجتماعي في المنطقة على زخم هذه الثورة المجيدة، وكما وقفت المرأة المصرية في صلابة وشجاعة في ميدان التحرير، فإنها يجب أن تشارك الآن في صنع القرار في مصر.

لقد ألهمت هذه الثورة السلمية الفريدة في أكبر بلد عربي المراقبين لها في كل مكان لكونها ثورة ثقافية في المقام الأول قبل أن تكون ثورة سياسية. لقد انبهر العالم أجمع من أميركا إلى الهند بذلك المشهد الرائع الذي وقف فيه المسلمون والمسيحيون جنبا إلى جنب وهم يقومون بحماية بعضهم لأداء الصلاة. بل وساهم المتطوعون كل في مجاله من أطباء وحلاقين وطهاة وغيرهم، تكاتفوا جميعا لإنجاح هذه الثورة. وخارج ميدان التحرير اكتسب المصريون احترام العالم عندما تبنوا مبادئ المشاركة المدنية في هذا الوقت الحرج وقاموا بتنظيم أنفسهم للعمل على حماية ونظافة الأحياء والممتلكات العامة.

وللمرأة دور رائع لا يستهان به في هذا التحول التاريخي للمجتمع المصري، سواء كانت طبيبة أو معارضة، فنانة أو من المنظمين للثورة. فعلى سبيل المثال، أرجع عدد من المراقبين الكثير من الفضل في إشعال فتيل هذه الثورة إلى الشابة أسماء محفوظ ذات الستة وعشرين ربيعا والتي شاركت في تنظيم حركة السادس من إبريل وساهمت في تنظيم صفوف شباب الثورة. لقد ناشدت أسماء المصريين في نداء مصور على شبكة الإنترنت ليهبوا يوم الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) لصيانة كرامتهم والدفاع عن شرفهم. ناشدت شهامة ورجولة أقرانها من الرجال عندما قالت في حماس وشجاعة: «إنه إذا كان هناك خطورة علي كوني امرأة أن أخرج إلى هذه الثورة فهبوا يا أيها الرجال لحمايتي».

قبيل هذه الثورة كان لمصر سجلات متضاربة في مجال العدالة بين الجنسين، فعلى الجانب المضيء تفوقت المرأة في جميع المجالات العلمية والتعليمية، وهذا ما يريده الغالبية العظمى في مصر طبقا للإحصائيات التي قامت بها مؤسسة غالوب، حيث يظهر أن تسعين في المائة من النساء والرجال يؤمنون بأهمية المساواة في إتاحة فرص التعليم للأولاد والبنات على حد سواء. ومع ذلك، ازداد معدل التحرش الجنسي في مصر خلال الخمس سنوات السابقة، ومنها الاعتداء الجنسي المأساوي على الصحافية لارا لوجان والذي حدث في ميدان التحرير عشية تنحي الرئيس مبارك وأثار انتباه الرأي العام العالمي رغم تأكيد النساء اللواتي كن في ميدان التحرير طوال فترة الثمانية عشر يوما التي غيرت مجري التاريخ أن هذا الحادث كان شاذا واستثنائيا. وتقول سحر النادي المصورة الفوتوغرافية التي قامت بتأريخ الأحداث اليومية للثورة من خلال عدستها: «إن هؤلاء النساء والرجال الذين كانوا جبنا إلى جنب في ميدان التحرير كانوا بمثابة عائلة واحدة كبيرة، وكنا جميعا يدا واحدة لا يحركها الخوف من أي شيء».

وعلى الرغم من الشجاعة التي تحلت بها المرأة سواء في الميدان أو خارجه، فإن دورها في السلطة الانتقالية لمصر كاد أن يكون منعدما، حيث شكل الرجال كلا من مجلس الحكماء وفريق الإصلاح الدستوري والحكومات المؤقتة. ويعتقد كثيرون سواء في الغرب أو الشرق أن الوازع الديني هو ما يمنع المرأة من المشاركة السياسية، ولكن الأدلة تؤكد خلاف ذلك، حيث وجد الباحثون في مؤسسة غالوب أن ممارسة الشعائر الدينية ترتبط بارتفاع وليس بنقص في مؤازرة المساواة بين الجنسين. ووفقا لاستطلاعات الرأي قال نحو 43% من الرجال الذين يمارسون الشعائر الدينية أسبوعيا إن النساء ينبغي أن يسمح لهن بالعمل في مراكز القيادة السياسية، في حين أن 30% فقط من الرجال الذين لم يمارسوا الشعائر كان لهم نفس الرأي. وبالمثل فقد أيد غالبية الرجال الذين مارسوا الشعائر الدينية أسبوعيا، بنسبة 52%، المساواة بين النساء والرجال في الحقوق القانونية، في حين أن 39% فقط من الذين لم يمارسوا الشعائر قاموا بتأييد المساواة القانونية. علاوة على ذلك فقد أصدر مفتي الديار المصرية فتوى رسمية تمكن النساء من ممارسة العمل القضائي، بينما رفض هذا الرأي بعض أعضاء السلطة القضائية من العلمانيين. وذهب المفتي إلى أبعد من ذلك حينما قال إن الإسلام ليس فيه ما يمنع المرأة من أن تخدم دولتها كرئيس لها.

إن مصر الآن وهي على أعتاب إقامة أول انتخابات حرة وبناء المجتمع الذي يحلم به شعبها تلهم وتداعب أحلام الآخرين. إن هذه القفزة إلى الأمام تتطلب تكاتف كل الأيدي، ومن الواضح أن هذا التكاتف قد بدأ فعليا، ففي عام 2005 أعرب 51% فقط من إجمالي الرجال أن النساء ينبغي أن تكون لديهن حقوق قانونية متساوية، والآن في أواخر عام 2010، وقبيل أن تشعل شابة مصرية انتفاضة الدفاع عن الحقوق الوطنية لكل مصري ببضعة أشهر، قفز هذا الرقم إلى 79%. ونرجو أن ينظر المؤرخون لاحقا إلى ثورة يناير المصرية على أنها كانت الحافز الذي أدى إلى التحول الاجتماعي الذي سوف ينقل المنطقة من كونها محل شفقة العالم إلى رائدة للتقدم العالمي.

* مديرة مركز غالوب أبوظبي والمديرة التنفيذية لمركز غالوب لدراسات المسلمين بواشنطن.. قامت مع المفكر جون أسبوزيتو بتأليف كتاب «من يتحدث باسم الإسلام: كيف يفكر حقا مليار مسلم؟»