من شمال أفريقيا إلى البحرين ماذا نريد من واشنطن؟

TT

إذا كان هناك شيء أثبتته الثورات العربية التي رأيناها في تونس أولا ثم مصر وبعدهما ليبيا حاليا، فهو أن كل شعب أدرى بظروفه، وأن التغيير، إذا قُدر له أن يحدث ويتطور صحيا، فلا بد أن يكون بأيدي أصحابه، يدفعون ثمنه، من دون تدخلات مباشرة لأطراف خارجية، إلا بالمساعدة في عملية إعادة البناء فيما بعد وحسب ما تطلبه قوى مرحلة الانتقال والتغيير.

وقد أثبت المجلس الوطني، الذي تأسس في بنغازي، استقلالية وحكمة سياسية عندما رفض الحوار مع وفد دبلوماسيين بريطانيين يرافقهم أفراد من القوات الخاصة هبطوا بهليكوبتر في محاولة للاتصال بالثوار في بنغازي؛ وذلك لأنهم دخلوا بطريقة غير شرعية، وهو موقف احترمته حتى لندن التي أرسلت الوفد.

في البحرين، المثير للاستغراب هو خروج مظاهرة، أمس، أمام السفارة الأميركية لمعارضين تطالب واشنطن بالضغط على الحكم هناك من أجل تنفيذ إصلاحات سياسية، بينما هناك عملية سياسية مفترض أن تجري بشكل أو بآخر. فالمتظاهرون من المعارضة حصلوا، منذ أسابيع، على حق التظاهر بحرية، وطرح مطالبهم في الشوارع والميادين العامة وأمام مقرات حكومية. وفي الجانب الآخر هناك دعوة يقودها ولي العهد هناك إلى حوار وطني من دون شروط يشمل الجميع وكل القضايا.

قد يكون هناك احتقان بسبب العنف الذي أدى إلى قتلى في بداية المظاهرات، بما يجعل عبور عنق الزجاجة في الطريق إلى الحوار مجال أخذ ورد. لكن إدخال طرف خارجي بهذا الشكل المباشر، أو محاولة الاستعانة به في عملية سياسية داخلية طابعها الحالي سلمي، أمر ليس فيه حكمة، وغير صحي، ويدخل المشهد في تعقيدات على مستوى آخر لا يفيد أطراف المجتمع وفيه توريط للطرف الخارجي.

وينقلنا ذلك إلى السؤال عن الدور الأميركي أو الغربي بشكل عام تجاه التغييرات والثورات التي تشهدها المنطقة، وهي «صناعة محلية» صرفة، كما لاحظ العالم، مع الاعتراف بأنه في عالم اليوم أصبح من الصعب أن تقف أي دولة ساكنة من دون أن تبدي موقفا تجاه تطور ساخن في أي بقعة أو تجاوزات تتعارض مع ما اتفق عليه دوليا بشأن عدم انتهاك حقوق الإنسان، وهذا شيء والتدخل الخارجي شيء آخر.

فليست هناك ديمقراطية مستوردة أو تُفرض من الخارج، بل هي مسألة تنبع من المجتمع نفسه وآليات تطوره، وقدرته على دفع ثمن ذلك. وفي الحالة العربية الحالية، فقد كانت التطورات مفاجأة للعالم الخارجي، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا القريبة من المتوسط. وظهر ذلك من الارتباك في البداية في تصريحات المسؤولين تجاه ما يحدث وتغيرها على مدار الساعة حسب تطور الوضع على الأرض. وقد شهدنا ذلك في الحالتين المصرية والتونسية.

في ليبيا، أخذت الثورة هناك مسارا مختلفا، بما يجعل المقاربة مختلفة؛ فالمعركة أصبحت عسكرية غير متكافئة بين المعارضة المتمركزة في الشرق والحكم المتخندق في طرابلس، وهناك مجازر بما أدى إلى طرح مسألة فرض منطقة حظر جوي لحماية المعارضة والأهالي من ضربات الطيران الموالي للقذافي الذي يطالب من جانبه بدعم غربي تحت ذريعة أنه يحارب «القاعدة» والتطرف.