«الإخوان»: فزاعة.. ليسوا فزاعة؟

TT

كنت أتابع على إحدى الفضائيات العربية الإخبارية ضيفا من اليمن قدم نفسه على أساس أنه مراقب ومحلل مستقل.

المذيع يسأل: كيف هي الثورة اليمنية الآن؟

الضيف: يا عزيزي، أنا لا أظن أننا أمام ثورة بالمعنى الدقيق، نحن أمام احتجاجات صاخبة على السلطة والنظام، لأسباب مختلفة!

المذيع: ولكن نحن نرى بأعيننا المظاهرات والشعارات الكبيرة المناهضة لنظام صنعاء الحاكم؟

الضيف: ألا ترى المظاهرات الأخرى التي خرجت في «إب» وغيرها من المحافظات تأييدا للنظام، وهي أكبر وأكثر حجما وعددا من مظاهرات المناهضة؟!

المذيع: هذه مظاهرات مفبركة من النظام؟

الضيف: الفبركة ربما تكون ناجعة في ألف أو خمسة أو عشرة آلاف من الناس، لكن أنا أحدثك عن مئات الآلاف؛ نحو المليون خرجوا مساندة للنظام، فهل هذا كله فبركة؟! ثم لماذا لم تحدث هذه المظاهرات المليونية المفبركة في تونس أو مصر؟!

المذيع: كيف تسير الأمور في المعارضة ومن هي هذه المعارضة ومن يحدد أجندتها؟!

الضيف: هناك عدة ألوان داخل المعارضة لكن يظل لون الإخوان المسلمين هو الأوضح، وهم الأنشط في مظاهرات صنعاء وميدان التغيير أمام جامعة صنعاء، ضمن قيادة اللقاء المشترك؟!

المذيع: أليس ذكر الإخوان المسلمين مجرد «فزاعة» للتخويف من التغيير والإصلاح والثورة؟!

الضيف: لست أتحدث عن خيالات وفزاعات، هذا واقع ملموس، حزب الإصلاح هو حزب الإخوان المسلمين، وحزب الإصلاح هو «دينمو» وقائد أحزاب اللقاء المشترك التي تحت عنوانها تخاض هذه المظاهرات والاحتجاجات، مع وجود أطياف أخرى طبعا مثل الناصريين وبعض الاشتراكيين؟!

ويواصل الضيف: هل حركة الحوثيين وعلاقتها الواضحة بإيران أيضا فزاعة؟! الحوثيون يهيمنون على منطقة في اليمن توازي مساحة لبنان تقريبا وخاضوا عدة حروب في الداخل والخارج، فهل ذكرهم أو الإشارة إليهم ضمن صفوف المعارضة اليمنية الطامحة لإسقاط النظام يعتبر فزاعة وهمية؟!

ويتابع الضيف: لست مع النظام وأنا أنتقد سياسات الحزب الحاكم وأرى أنه هو من تسبب في إيصال البلد إلى هذه الحال من الضعف والفوضى، ولكني أيضا لست مع الآخرين أردد ما يقولون حرفيا، أنا مستقل، هذه تهمة؟!

المذيع: شكرا.

الضيف: شكرا لك سيدي.

المقابلة لم تخرج عن هذا الفحوى، فقط رممت الكلام للنشر في هذه الصياغة. وليس بالضرورة تصديق الأرقام التي قالها الضيف عن المظاهرات فربما بالغ هو أيضا.

ماذا يخبرنا هذا الحديث؟

يخبرنا أنه من واجب العقول المختلفة أن لا تردد كلمات جاهزة تصلح لتفسير كل شيء الآن في العالم العربي.

هناك حالة تخويف وردع نفسي مباشر عبر تكرير كلمات الهجاء السطحي لمن يملكون وجهة نظر مختلفة إزاء ما يجري هنا وهناك من مظاهرات وثورات بل وحتى نزاعات مسلحة سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن.

إذا أردت الحديث عن طبيعة القوى المعارضة التي ستحل محل الأنظمة الراحلة، وهو حديث طبيعي ومتوقع، وتحدثت عن كون تيار الإخوان المسلمين هو أبرز هذه القوى المنظمة والخبيرة في الشارع العربي، فورا تسمع الكلمة المكررة في كل حالة وبشكل وبائي في الفضائيات والمقالات والإنترنت: هذه فزاعة الأنظمة السابقة ضد التغيير تخويفا للغرب وإخافة للداخل؟!

بل وصل الحال بأحد المفكرين العرب، وفي نشوة المتابعة لتونس ومصر وليبيا أن يقول – مع أنه رجل رصين - إن النزاعات أو الصراعات الداخلية بين مكونات الشعوب العربية هي صراعات منتجة ومخلقة داخل أنظمة الحكم من أجل ضمان السيطرة على الجميع بعنصر التخويف، تخويف الجميع من الجميع! ومؤدى تحليل هذا الكاتب هو أنه لو خلي بين المكونات الطائفية والاجتماعية والإقليمية وبين نفسها لتصالحت وبنت إجماعا وطنيا وإرادة مشتركة، لكن النظام، والنظام فقط دون أي سبب آخر، هو من يصنع الفتنة؟!

ولو سلمنا جدلا بوجود مثل هذه الصناعات (أقول: لو)، فهل هذا يعني أن هناك رؤية ناضجة وشعورا مشتركا بالمصير الواحد والإرادة الجامعة بين هذه الشعوب العربية بكل تفاصيلها، بصرف عن النظر عن مشكلات التاريخ والحاضر؟!

لماذا نبعد في الكلام العام، فلنكن محددين قليلا، بما أننا بدأنا الحديث عن اليمن، هناك الآن أزمة بناء إجماع وطني على الدولة، نعم لدى المعارضة أو المعارضات اليمنية شعار موحد لإسقاط الرئيس، ولكن فور تحقق هذا الشعار فمن المؤكد أن الحركة الحوثية المرتبطة بإيران (هذه حقيقة وليست فزاعة حتى لا يحبط بعض كارهي الحديث عن إيران!) لديها مشروعها السياسي والفكري الخاص باليمن، وهي إن لم تحققه على مستوى الدولة فستأخذ معها المحافظات الشمالية إلى «كانتونها» الزيدي بنسخته «الجارودية» بالذات في محافظات مثل الجوف وصعدة. المحاذية للسعودية. والحراك الجنوبي لديه تصوره الخاص لليمن وحلمه هو الانفصال، واللقاء المشترك بقيادة الإخوان المسلمين أيضا لديهم تصورهم الخاص باليمن، بل حتى بقايا الجناح الجهادي من «الإخوان» والسلفيين بقيادة الشيخ الزنداني لديهم تصورهم الخاص باليمن، وهو تصور معلن بالمناسبة، فقد صعق الشيخ عبد المجيد الزنداني الجميع عندما تحدث قبل بضعة أيام أمام جامعة صنعاء في ميدان التغيير، وقال للجموع: إنني أرى فجر الخلافة الإسلامية الثانية يوشك أن يطل في العالم الإسلامي، وأقصى أمد له عشر سنوات أو أقل من الآن! كلام الزنداني مصور ومثبت ومبثوث في قنوات يمنية معارضة لمن يريد التأكد.

هذه الصور ليست «فزاعات» بل حقائق ووقائع معلنة.

إن كثرة ترديد كلمة «فزاعة» لمنع الحديث عن «الإخوان»، أو القوى الأصولية المتوثبة، أو الجماعات المجتمعية المتناحرة، أو حتى إمكانيات التقسيم أو الحرب الأهلية، أو الشلل السياسي، أو الضرر الاقتصادي، ليست إلا كلاما دعائيا من قبل هذه الجماعات نفسها التي تريد إبعاد الأضواء عنها هذه اللحظة، أو في أحسن الأحوال حسن نية وطيبة وغضب من إفساد المتعة وعدم قدرة على الرؤية بسبب ضباب اللحظة.

مقبول من الإخوان المسلمين أو أنصارهم أن يقولوا إن من يتحدث عن الإخوان أو إيران الآن مجرد رافع للفزاعة الرسمية البائدة، فلا ينتظر منهم غير هذا، فهم أهل الشأن، وسلوكهم طبيعي، ومفهوم أن يردد مثلهم التلويح بكلمة الفزاعة بعض المنغمسين بأحلام اللحظة وعطور الثورة. لكن من غير المقبول ولا المفهوم أن يردد هذه الكلمة بمناسبة وغير مناسبة من يفترض بهم المعرفة أكثر من أهل الإعلام أو - وهذا أفدح - المفكرين والمحللين المحترفين.

أصبح البعض الآن يخجل أو يذعر من الحديث عن قوة الإخوان المسلمين أو التيارات الأصولية وهشاشة القوى المدنية الليبرالية الأخرى في المجتمعات العربية، أو يخاف من الحديث عن مصالح الدول الإقليمية أو المجتمع الدولي مما يجري في المنطقة، لأنه إن تحدث بهذا، فقد خدش نقاء الثورة، هبت عليه كتائب الفزاعات لتفزع (تهب للنجدة) لمن يريد إفزاع مشاعر الثائرين ولو عن بعد.. خلف الشاشات...

كما أن هناك ثورة وثورة مضادة كما يقال، فهناك أيضا فزاعة الإسلاميين، وفزاعة من ذكر فزاعة الإسلاميين!

وبعد: صحيح أن للأنظمة العربية التي أطيح بها في مصر أو تونس مصالح أنانية من وراء التخويف بـ«الإخوان» والتيارات الأصولية أو إمكانية الصراع الأهلي لو رحلت الأنظمة، وربما كان غرضهم تبرير البقاء وعدم المحاسبة ولكن هذه الأغراض الأنانية والفاسدة، لا تعني أن هذه المخاوف ليست موجودة، فأيضا الأنظمة السابقة تحدثت عن خطر الانفجار السكاني، وهو خطر حقيقي، ولا يعني رحيل حسني مبارك أن خطر الانفجار السكاني زال من مصر، أو أن ذلك كان فزاعة من قبل النظام الراحل.

إذا كان البعض يرى أن الحكام المخلوعين بالغوا في التخويف من مشاريع الأصوليين السياسية، بشتى ألوانهم، فلا يجوز أن يبالغ الثوار، ومن يمدحهم بالمطلق، في الاطمئنان والنوم في العسل..

[email protected]