وما أكثر الذئاب!

TT

يفرط كثير من المتابعين اليوم في الانغماس بالتفاصيل، في جميع المناطق الملتهبة بمنطقتنا، وهذا أمر طبيعي، لكن الواقع يستوجب ضرورة عدم إغفال أهمية النظر للصورة الكبرى.

فالمشهد اليوم هو كالتالي: عراق ما بعد صدام لم يتعافَ بعدُ، وليس سيد قراره كاملا، ورياح الثورة ما زالت تعصف بمصر وتزيدها انغماسا بالهم الداخلي، وتونس ما برحت أيضا تتلمس طريقها، وليبيا في حالة حرب حقيقية مع شعبها، والبحرين لم تزل تمارس النفَس الطويل مع جزء من أبنائها يريدون كل شيء أو أخذ البحرين إلى المجهول. وبالتالي، فهم منشغلون أيضا، والسودان مقسم، أما اليمن فهو مرشح لانفجار لا يعلمه إلا الله، ومن هنا تبدأ القصة..

فمن يتابع تحركات مجلس التعاون الخليجي مؤخرا يلحظ أن روحا جديدة قد دبت فيه؛ حيث إن استشعار الخطر قد بات أمرا واضحا بالتحركات الخليجية، وبشكل جماعي، أي أن المسألة ليست تحركا سعوديا أو إماراتيا، بل باتوا يتحدثون بصوت واحد. فالواضح أن دول المجلس باتت ترى الصورة الكبرى، فاليوم لا توجد مبانٍ شاهقة للناظر في منطقتنا سوى السعودية، ومن حولها دول مجلس التعاون، والمبنى الشاهق الآخر الموازي هو إيران، على ضفاف الخليج. لكن ما أكثر القناصة المطلين من نوافذ ذلك المبنى على منطقتنا. هكذا يبدو المنظر لمن يريد تخيل الصورة اليوم.

فكما أسلفنا، فإن العراق ما زال خارج المعادلة، ومصر انكفأت، وليبيا التنكيل مشغولة تنكل بشعبها، والسعودية والخليج هناك من يريد ويخطط لإشغالهما، مثل حالة البحرين. ومهما قيل عن مشروعية بعض المطالب، فهاهي سلطنة عمان، مثلا، تتجاوز صعوباتها دون تأجيج أو زعزعة للسلم الأهلي من قبل المطالبين بإصلاحات؛ حيث مشى المطالبون خطوة، وقبلهم السلطان بخطوات، عكس المعارضة البحرينية! أما المتابع والمتأمل لما يجري في اليمن، فلا يمكن إلا أن يشعر بالقلق. ففي حال انفلتت الأمور، لا قدر الله، فستكون السعودية ودول الخليج، في وسط ركام مهول.

صحيح أن هذه رؤية قاتمة، لكنها الحقيقة، ولا تستوجب الفزع بمقدار ما تتطلب التحرك السريع، وإعادة ترتيب الأوراق على الأصعدة كافة.

فمع انشغال مصر لا يمكن التعويل على سورية، مثلا، في ظل مواقفها وتحالفاتها، ومحدودية دورها الإيجابي. وعليه، فاليوم مطلوب مراجعة شاملة لكل الملفات السياسية، والأمنية، والإعلامية، والاقتصادية، وإعادة ترتيب الأولويات للتعامل مع وضع عربي جديد لن يكون قصير المدى، بل سيكون طويلا، وسيترتب عليه الكثير. وأولى هذه الخطوات: ترتيب الأوضاع الداخلية لدى دول مجلس التعاون من دون استثناء، ومنها السعودية، وضرورة الإسراع في نزع فتيل الأزمة في اليمن، ولو بإقناع جميع الأطراف بضرورة إجراء انتخابات مبكرة. فلا أحد يحتمل اندلاع عنف في اليمن، فخطره سيطالنا جميعا، ويكفي أن نتذكر المواجهات التي وقعت مع الحوثيين العام الماضي على الحدود السعودية، والخوف، كل الخوف، اليوم أن تعود موجة الإرهاب مع زيادة الاحتقان الطائفي، أو اندلاع أعمال عنف في اليمن، لا قدر الله.

ملخص الحديث: إن الحذر مطلوب؛ لأن الذئاب حولنا كثر، وإن لبسوا لباس الحملان!