حكاية من زمن ساذج

TT

انشغلت في المرحلة الأولى من حياتي بكرة القدم، فركضت خلفها أكثر من عشرين عاما، وكان أكبر ما أنجزته فيها الوصول إلى «دكة الاحتياط» في ملعب الصبان الذي كانت تقام عليه المباريات في مدينة جدة. وفي غياب الوعي في تلك الفترة، ساد اعتقاد لدى البعض بقدرة بعض السحرة على تغيير مجريات المباريات، ومناصرة فريق على آخر، ومن أشهر المشتغلين بتلك الخزعبلات في ذلك الزمن العتيق الذي افتقر إلى الوعي، رجل وافد اسمه عبد الكريم، وكان من الدهاء بحيث يلعب بالبيضة والحجر، فله تخريجاته عقب كل هزيمة، كأن يدعي أن أحد اللاعبين أفسد عمله لأنه لم يكن على طهارة.. ونحو ذلك. وصادف أن تولى أمور النادي رئيس ذكي، يعرف أن ما يفعله هؤلاء مجرد ضحك على الذقون، وقد حاول جاهدا إقناع اللاعبين بوجهة نظره من هذه المسألة من دون جدوى، فنفذ خطة لا تخلو من الابتكار، مستخدما رجلا أفريقيا معدما يعيش على أطراف حينا بأن يلعب دور الساحر، وجهزه بجبة خضراء وعمامة ومسبحة ألفية تتدلى من عنقه، فكان يحضره معه بسيارته قبل كل مباراة إلى النادي، فيشاهد اللاعبون الرجل بمظهره الغريب، وإطلالته المسكونة بالغموض، فتسود حالة من القناعة بأن الرئيس قد عثر على الضالة المنشودة. ولعبت الصدف دورها في ترسيخ هذه القناعة حينما انتصر فريقنا في عدد من المباريات المتتالية، الأمر الذي أزعج الفرق الأخرى، حتى أن المشعوذ عبد الكريم اعترف بأننا نمتلك ساحرا لا قبل له على مواجهته، وكان ساحرنا المزور يتقاضى عن كل ظهور له بجوار الرئيس خمسين ريالا قبل أن يعيده إلى كوخه في أطراف الحي ليخلع جبته وعمامته، ويعود إلى حياته المعدمة من جديد.

وانشغلت الأندية المنافسة في البحث عن الرجل، ومعرفة عنوانه للاستفادة منه، وكانت المفاجأة أن ذلك الساحر المزور الذي صنع رئيسنا أسطورته قد تقمص الدور، وساق فيه، وأصبح يبيع خدماته الوهمية لأندية أخرى بآلاف الريالات، وطلع الرجل «من القفة على ودانها»، وصارت له شهرته وذيوع صيته، وتحول كوخ الرجل إلى مبنى حجري، وكانت قلة محدودة من الناس تعرف حقيقته.

اليوم أتابع الأندية الرياضية وهي تتنافس على جلب أفضل المدربين، وشراء أمهر اللاعبين، وترتقي بمستوى الكرة السعودية إلى مستويات عالمية فأحمد الله أن الرياضة في بلادنا تخلصت مبكرا من ذلك الوهم الذي لم يستمر طويلا، والذي لم يزل عالقا بالكرة في بعض الدول والمجتمعات.

إنها حكاية من حكايات زمن ساذج ولى إلى غير رجعة.

[email protected]