مظاهرات العراقيين: مطالبات بديمقراطية أفضل

TT

تغير المزاج العام في العراق خاصة منذ اندلاع الثورات المختلفة التي اجتاحت العالم العربي مؤخرا، فالإحباط من قلة فرص العمل، والفساد، وضعف الخدمات، دفع العراقيين إلى النزول إلى الشوارع يوم الجمعة الماضي، معجلين باستقالة ثلاثة على الأقل من حكام المحافظات. وتعالت الأصوات المطالبة بإجراء الانتخابات المحلية التي وعدت بها الحكومة. وعلى الرغم من أن المظاهرات لم تكن حاشدة فإن العراقيين في مختلف أنحاء البلاد خرجوا للتظاهر، وحاولت الحكومة العراقية إخماد المظاهرات عن طريق الادعاء أن عناصر من «القاعدة» تسللت إليها، لتتعامل القوات الأمنية بعنف شديد مع المتظاهرين، مما أدى إلى مقتل 17 شخصا على الأقل.

وعلى الرغم من ذلك فإن التوقعات ليست سيئة كليا، فعندما كنت في بغداد في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي حيث اندلعت الثورة التونسية، ابتهج القادة السياسيون العراقيون سعداء بحكومة «الشراكة الوطنية» التي شملت كل الطوائف والفئات في العراق، باستثناء رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، الذي حصلت قائمته على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق في مارس (آذار) من العام الماضي، والذي تردد طويلا في الانضمام إلى حكومة المالكي، ليشهد تقاطر الآخرين من ائتلافه، الذي يغلب عليه الطابع السني، إلى المجلس الذي سيطر عليه الشيعي المتشدد مقتدى الصدر.

وإجمالا، تراجعت أعمال العنف، رغم استمرار العمليات الانتحارية وعمليات الاغتيال التي تستهدف رجال الأمن البارزين، ووضوح نوايا الصدر برغبته في ممارسة الحياة السياسية في الوقت الذي يحتفظ فيه بميليشياته العسكرية. وعلى الجانب الآخر قطعت الميليشيات السنية علاقاتها بـ«القاعدة»، وأرادت ممارسة السياسة أيضا.

ولا يزال العرب والأكراد يتنازعون السيطرة على جزء من الشمال، بينما اتفقوا على إعادة تصدير النفط من كردستان في فبراير (شباط)، وبدأ العراقيون والكويتيون في الحديث معا مرة أخرى بعد سنوات من القطيعة في أعقاب حرب الخليج الأولى.

وهناك جدال مستعر في العراق حول الخطوات الواجب توافرها لخلق ثقافة التسامح بين الطوائف المختلفة وتحقيق المصالحة الوطنية، لكنه في الوقت نفسه جدل صحي. وتساءل عضو البرلمان، الذي تحدثت إليه، عن الإجراءات المختلفة لتحقيق هذا الأمر، كإعادة صياغة العلاقة بين المواطنين والدولة، وإصلاح التعليم في كل مستوياته، وإزالة التحريض، وتقليل التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية.

وعلى الرغم من أن المظاهرات في العراق قد تتزايد، فمن الواضح أن العراقيين لا يطالبون بتغيير النظام بقدر ما يطالبون بحكومة ديمقراطية. فالمرجع الشيعي الأعلى آية الله السيستاني دعا إلى ضرورة تقديم خدمات أفضل للعراقيين.

وقد انتقد المتظاهرون الحصص الطائفية والإثنية التي شكلت على أساسها الحكومة العراقية الحالية، مما قد يؤدي لزيادة الفساد ويعوق تقديم خدمات أفضل، بينما تطالب قلة بخطوات ديمقراطية أقل.

وقد أعطي المالكي 100 يوم ليقدم وزراءه إلى البرلمان لتقديم هذه الخدمات. وقد ساعد ارتفاع أسعار النفط على دعم الميزانية العراقية، واستمر إنتاج النفط في التزايد، وأبرمت الشركات الأجنبية عقودا لتعزيز الإنتاج، مما دعا بغداد للاعتقاد بأنها تستطيع توفير الكهرباء والمياه والخدمات الصحية بمستويات لم تكن موجودة منذ عام 2003. والحكومة العراقية كانت تخطط لاستضافة القمة العربية المقبلة هذا الشهر (تم تأجيل القمة إلى شهر مايو / أيار المقبل – المحرر)، فالفنادق في وسط العاصمة تغير واجهاتها التي دمرتها الحروب، وتقوم عربات النظافة بتنظيف المنطقة الخضراء حيث يضاء منزل رئيس الوزراء الجديد لاستقبال الضيوف في المساء. وعلى الرغم من هدوء التوترات السنية الشيعية فإنها من الممكن أن تعود مجددا أكثر قوة عن ذي قبل، فالعرب والأكراد لم يتفقا حتى الآن على الحدود المقترحة لإقليم كردستان، بما في ذلك حدود كركوك التي بها حقول نفط مهمة، مما قد يشعل الأزمات من جديد. وبسبب الانسحاب الأميركي من العراق فإن الأمم المتحدة تريد أن تتأكد من أن التوترات بين الجيش العراقي والقوات الكردية (البيشمركة) يمكن احتواؤها، وترى الولايات المتحدة الأميركية أن أكبر مشكلة تحتاج إلى حل في انتظار العراق هي مشكلة الجيش والنفط.

وقد عارض أنصار الصدر وجود قوات أميركية داخل الأراضي العراقية بعد انتهاء مدة الاتفاق في 31 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، لكن القوات الجوية والبحرية العراقية لم تكن مستعدة لتولي الأمور في هذا الوقت، فهناك تخوف من تعرض العراق لضغوط جوية وبحرية من بعض دول الجوار خاصة إيران، مما استدعى وجود بعثة خاصة من القوات الأميركية مكونة من ألف جندي على الأقل تتبع للسفارة الأميركية في العراق.

ويعتبر النفط قضية أخرى، فبمقدور العراق أن ينتج كميات كبيرة بتكاليف أقل عن طريق احتياطياته الضخمة كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، لكن العراق لا يمتلك البنية التحتية لتصدير البترول للأسواق العالمية. فالعراق تقليديا كان يقوم بتصدير الغاز عبر الخليج العربي، وهو الأمر الذي كان يعرضه للضغوط الإيرانية، وهناك اختيار آخر أكثر أمانا لتصدير الغاز العراقي وذلك من خلال أنابيب تمر عبر الشمال والغرب وصولا إلى تركيا وسورية، مما يجعل إرسال المادة الخام للأسواق الأوروبية يتم بتكاليف تختلف عن تكاليف الشحن عبر الخليج، ويقلل أيضا الاعتماد العراقي على إيران في هذا الأمر.

على الولايات المتحدة الأميركية أن تتعايش مع خطئها الخاص بالحرب على العراق، لكنها لا تزال تستطيع أن تحصل على بعض الفوائد من هذه الحرب. فالولايات المتحدة لديها استثمارات هائلة في العراق، ويوجد بها الكثير من موردي النفط العراقي للأسواق العالمية، مما يساعد على خفض الأسعار، بالإضافة إلى أن العراق يستطيع أن يدافع عن نفسه مع القليل من الدعم الأميركي.

فإذا استمر العراق كدولة، يتم اختيار قادتها عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، واضعين السلطة في يد أفراد يمثلون الاختلافات الواسعة للسكان في العراق وتحمل مسؤولية تقديم خدمات جيدة للمواطنين، فإن هذا شيء سيجعل إمكانية تحقيق نجاح متواضع لما بعد الحرب أمرا محتملا. ومع انسحاب القوات الأميركية من العراق ربما تكون مهمة الدبلوماسيين وعمال الإغاثة الأميركيين أصعب، لكنها تحد ناجح.

* باحث في معهد الشرق الأوسط ومحاضر في مدرسة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة

* خدمة «واشنطن بوست»