رضا هلال موجود

TT

أين رضا هلال؟ سؤال طرحه رئيس تحرير هذه الصحيفة الدولية، وكنت أتمنى أن يطرح هذا السؤال وبشكل يومي وملح في صحيفة «الأهرام» الحكومية التي اختفى منها الأستاذ رضا هلال؟

تعرفت على الأستاذ رضا هلال في الولايات المتحدة الأميركية، بعد خروج صدام حسين من الكويت، وأخبرني يومها أنه غطى هذه الحرب، وتحدث بطريقة تجعلك تحترم صحافيا محترفا يتحدث بها، وخصوصا أنني كنت في وقتها «يدوب مخلص دكتوراه، ومتحمس لكل من يرفع راية المهنية»، ربما بعد أن تقدم بي العمر وتعرفت على العالم العربي بشكل أقرب يزداد إعجابي برضا هلال، قرأت له بعض ما كتب من كتب ومقالات، وهذا الذي دفعني لترشيحه للكتابة في «الشرق الأوسط»، ولكن ليس هذا هو الموضوع، الموضوع هو أن رضا هلال موجود، ولكن أين؟

لو كنت صحافيا بالمهنة، ولو كنت صحافيا استقصائيا، لبدأت خيوط البحث عن رضا هلال في مكانين لا ثالث لهما، الأول هو صحيفة «الأهرام» ذاتها، ولقابلت بشكل مكثف من كانوا يلاصقون رضا هلال كظله في كل تحركاته، وكأنهم موظفون لمتابعة هذا الرجل. أما المكان الثاني فهو مطعم في الزمالك، هو ناد أقرب من كونه مطعما، يعرف بـ«الفايف بيلز»، ولسألت كل نادل فيه، وكذلك أصحاب المحل عن سر اختفاء رضا هلال. كنت أذهب إلى القاهرة مرة كل عام، أزور أهلي في الصعيد وأتوقف في طريقي للعودة إلى أميركا في القاهرة، وفي كل مرة كنت أحرص على لقاء رضا هلال. وفي كل مرة كان يعزمني على العشاء في «الفايف بيلز»، لم يتغير المكان ولو مرة واحدة، وكان الأشخاص الموجودون حوله بصفة دائمة في هذا المكان هم هم، لا يتغيرون ولا يتغيب منهم واحد. قال لي يومها: إن لم تجدني في «الفايف بيلز»، في هذا التوقيت، فأنا موجود في فندق «شيبرد» مع الأستاذ نجيب محفوظ من الخامسة، إلا الأيام التي أمسك فيها الديسك المركزي في «الأهرام».

كنا نتحدث كثيرا عبر الهاتف، كان يطلب مني أحيانا كتبا لإرسالها له، لأن «أمازون» لم تكن متاحة في مصر في تلك الفترة، وكان شخصا يحب خصوصيته، فلم نكن نتحدث عنها كثيرا، ولكن في معظم لقاءات «الفايف بيلز» كان من حوله تقريبا يستجوبونني عن الموقف الأميركي تجاه مصر، وكنت أتحدث بحرية، لأن الأصل في الحديث هو الحرية، ولم أكن أصدق أن كلام المثقفين يمكن أن يهز نظاما، وكنت أظن أن الذين يقولون إن النظام يتجسس عليهم مبالغة تهدف إلى تضخيم حجم صاحبها، ولكن بالتدريج أدركت أن هذا النوع من الاستجوابات لم أكن مقصودا به، بل ربما المقصود هو رضا هلال نفسه، لأن رضا بعد أن عاش في أميركا لم يعد متحفظا في كلامه، تأثر بأجواء الحرية، ويبدو أن هذا هو سبب ورطته.

قيل الكثير عن رضا هلال بعد اختفائه، من قصص نساء وغير ذلك، لكنني في كل لقاءاتي معه لم أسمع منه قصة واحدة خارجة، وظني أنه لم يكن هذا النوع من الناس، قصة رضا هلال هي قصة سياسية في المقام الأول، قيل إنه اختفى لأنه انتقد صدام حسين، أو لأنه انتقد ليبيا، ولكنني لا أظن ذلك. رضا هلال اختفى لأنه انتقد الداخل المصري، ربما بسذاجة وطيبة قلب، لأن رضا لم يكن معارضا، وعندما كتب عن مصر، كتب عن مصر التي يتمناها، لا مصر التي كان يعيشها، كان يتمنى مصر ليبرالية وديمقراطية، ويبدو أن مصر التي تمناها ها هي تصل إلى المحطة، ورضا ليس من الموجودين على الرصيف في استقبالها.

اختفاء رضا هلال ليس لغزا، اختفاء رضا في وضح النهار يوحي بأن من أخفاه كان مدبرا لأمره، وكان يعرف إلى أين يأخذه، فليس من المعقول أن يتحول رضا هلال إلى سراب هكذا. إني لا أتهم أحدا، ولكن أقول إن كتابة قصة صحافية عنه تبدأ بتتبع هذين الخيطين. رضا هلال حسب ما نشر في جريدة «الشرق الأوسط»، نقلا عن عائلته، كما جاء في مقال رئيس التحرير، موجود في سجن ما في الإسكندرية، ومهمة كل العاملين في «الأهرام» وفي صحافة مصر البحث عن صديق وزميل لهم، فاختفاء صحافي معناه اختفاء الصحافة، وكانت الصحافة المصرية في معظمها مختفية إلا قليلا في العهد السابق. لا بد أن يقول الصحافيون المصريون كلمتهم «لن يتكرر هذا مرة أخرى» (نيفر أغين) كما يقول الإنجليز، حتى نبدأ العهد الجديد بمبادئ جديدة، وليت صحافيا شابا جريئا ولو من شباب الـ«فيس بوك» يتتبع هذين الخيطين، وهنا سيعرف الجميع أن رضا هلال موجود، على الأقل في رؤوس من أخفوه، أما رضا الكاتب فهو موجود دائما في ضمائرنا.