من عمان.. مع حبي

TT

مسقط، عمان - منذ فترة ليست ببعيدة، احتفلنا، بابتهاج، بالعيد الوطني الأربعين لعمان. وزين الجميع تقريبا - خاصة الشباب هنا في مسقط، العاصمة، وفي المدن الصغيرة - منازلهم وسياراتهم بملصقات ولافتات مؤيدة للحكومة. وكأكاديمية، عادة ما تروق لي المشاهدة من دون الانخراط، لكن هذه المرة انضممت إلى موجة الاحتفالات وزينت سيارتي السوداء، طراز «تويوتا كامري»، بألوان العلم الوطني الأحمر والأبيض والأخضر. وابتهجنا معا جميعا بما حققناه منذ تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد السلطة عام 1970.

ولم يخطر ببالي قط أنه في غضون شهور قلائل ستجد عمان نفسها جزءا من «الزلزال الشبابي» الذي يجتاح حاليا منطقة الشرق الأوسط. ولم أتخيل أن المتظاهرين داخل هذه الدولة المسالمة البعيدة عن بؤرة الإعلام سينتهي بهم الحال على الصفحات الأولى من الصحف بشتى أرجاء العالم وسيرد ذكرهم في نفس سياق الثورات التي اجتاحت مصر وتونس وليبيا.

إذن ماذا حدث؟

في 18 فبراير (شباط)، نظمت مظاهرة صغيرة في ضاحية الخوير بمسقط، حيث توجد غالبية الوزارات الحكومية، أعربت عن الشكر والولاء للسلطان، لكن طلبت، على نحو محترم وهادئ، توفير مزيد من الوظائف وبضعة تغييرات أخرى. وأعقب ذلك نشر خطابات عبر شبكة الإنترنت على موقع «السبلة العمانية» (الشبكة الاجتماعية المحلية الخاصة بنا)، طالبت أيضا بإقرار إصلاحات اجتماعية وسياسية صغيرة نسبيا، لكن مع الحرص على إبداء الحب والاحترام للبلاد والشعب والقائد. حتى ذلك الوقت، سارت الأمور على ما يرام. ثم جاءت مظاهرات صحار. خلال مظاهرة خرجت في هذه المدينة في 27 فبراير، خرجت الأمور عن سيطرة الشرطة والمتظاهرين، ووقعت أعمال عنف وتخريب. وأشارت بعض التقارير إلى مقتل شخص، بينما أفادت أخرى بمقتل اثنين. وقد أصيب العمانيون جميعا بالذهول والصدمة جرَّاء ذلك.

إلا أن الحكومة سارعت إلى اتخاذ المسار الصحيح بإعلانها خلق 50 ألف وظيفة وتوفير مساعدات للساعين إلى الحصول على عمل وإحداث تغيير وزاري وتحسين نظام الرفاه الاجتماعي والسماح للمواطنين بأن يكون لهم قول أكبر في شؤون البلاد.

الأهم من ذلك أن الحكومة استجابت لطلب الناس بعقد حوار. ومع شروع الحكومة في محاولة السيطرة على الأضرار، وبينما حاول العمانيون استيعاب ما يجري، عكفت على إرسال ردود على رسائل بعث بها أصدقاء لي عبر البريد الإلكتروني، أشرح لهم خلالها أن صحار هي الاستثناء والشذوذ عن القاعدة ولحظة مؤقتة فُقدت فيها القدرة على السيطرة.

وخيَّم على عمان شعور بالعار. إننا جميعا متفقون على أننا نعاني مشكلات، لكن أليس هذا حال جميع الدول؟ أي الدول لا يعاني بطالة؟ كما أن الرقابة والسيطرة الاحتكارية من المشكلات القائمة في الكثير من الدول.

لكن التساؤل الأكبر كان: هل هذا هو النحو الذي نحاول من خلاله، نحن العمانيين، إحداث تغيير، التخريب وإطلاق النار؟! وبعد 40 عاما من العيش في سلام ورخاء، هل هذا ما نود نشره أمام العالم؟ هل هكذا نرد الجميل للقائد الحكيم الذي قدم الكثير لعمان وشعبها؟

ربما لا يتفهم الغربيون نوعية الحب الذي يكنه العمانيون للسلطان، لكن سلطاننا قائد ذو رؤية، نقل بلادنا من العصور المظلمة إلى دولة حديثة. لقد وضع السلطان قابوس بن سعيد عمان في مقدمة الدول العربية، إن لم نقل دول العالم، من حيث حقوق المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة والعمال الأجانب، وتوفير التعليم والرعاية الصحية مجانا للجميع. ومكنت هذه الجهود عمان من إقرار توازن فريد بين القيم التقليدية والتنمية التقدمية.

منذ ثلاث ليالٍ، تلقيت رسالة نصية من زميل جرى تداولها منذ ذلك الحين، كانت عبارة عن اعتذار من القلب لجلالة السلطان من عماني مجهول الهوية. ربما ساعد «تويتر» و«فيس بوك» في إسقاط نظام حسني مبارك في مصر، لكن هنا في عمان؛ حيث نبرع في استخدام الهواتف الجوالة التي نتبادل من خلالها، أيام الجمعة، التحيات والنكات، استخدمنا هذه الهواتف في العودة إلى المسار الصحيح. وكان نص رسالة الاعتذار التي تلقيتها عبر الهاتف الجوال كما يلي: «مهلا.. إنه من الواضح أننا نعاني مشكلات، لكن دعونا لا ننسى الأعوام الـ40 التي عكفنا خلالها على بناء بلادنا. وعلينا أن نسأل ليس فقط ما يمكن لبلادنا أن تقدمه لنا، لكن مثلما قال جون إف. كينيدي ببلاغة منذ عقود: ما الذي يمكن أيضا أن نفعله نحن من أجل بلادنا؟». وأخيرا، فهمت الحقيقة.. هناك انفصال واضح بين الحكومة العمانية صاحبة الفكر التقدمي وبين الشباب الذين نشأوا في حضن تعليم مجاني ورعاية صحية مجانية، وبالتالي اعتبروا هذه الأمور من المسلمات. في الواقع، الجامعة التي أعمل بها تحظى بمكانة بارزة على مستوى الشرق الأوسط بفضل بُعد نظر الحكومة. الواضح أن الأجيال الأكبر من العمانيين نسوا كيف يتحدثون إلى شبابنا ليبثوا فيهم الشعور بالمسؤولية ويطلعوهم على تاريخنا وما مررنا به من مصاعب ومحن لنجعل من عمان واحدة ليس فقط من أجمل دول العالم العربي، لكن أيضا مكانا أفضل للعيش فيه. وفي غمرة حماسنا لحماية شبابنا من مصاعب الماضي، غفلنا أن نبث فيهم روح الامتنان بما تم تحقيقه.

مؤخرا، أثناء إحدى الندوات التي عقدتها الكلية التي أعمل بها، صرخ أحد الطلاب بأن عمان بحاجة لإعطاء أصحاب الاحتياجات الخاصة حقوقهم. واضطررت لأن أذكره أن القوانين التي تقضي بذلك قائمة بالفعل، وكذلك قوانين تمنح الجميع حقوقهم. وكانت المشكلة أنه لم يكن على دراية بوجود هذه القوانين، لكن بعض المؤسسات العامة والخاصة لا تلتزم بها. وعلينا جميعا النظر في كيفية إصلاح ذلك.

وعليه، فإن ما تعلمناه أنا وإخواني العمانيون من المظاهرات هو أننا بحاجة للحديث على نحو سلمي ومحترم ومسؤول حول ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وحول هذا الانفصام القائم حاليا، وحول استثمارنا ومسؤوليتنا المشتركة. وهذا ما يجري بالفعل في عمان الآن.

* أستاذة مساعدة في علم اللغة بجامعة السلطان قابوس

* خدمة «نيويورك تايمز»