الإعلام الأميركي.. أي دور؟

TT

في الأسابيع الأخيرة، انشغل معلقون في الغرب، وفي الولايات المتحدة تحديدا، في نقاش جوهره: كيف سمحت التقنيات التي أنتجتها حداثة الغرب، وتحديدا موقعا التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيس بوك» في تزخيم حركات التغيير في العالم العربي.

لقد نسبت صناعة الإنترنت الأميركية لنفسها السبب في قلب نظامي حسني مبارك وزين العابدين بن علي.

ما يلفت في هذه النقاشات، فضلا عن جهلها بالتمايزات بين مجتمعات الشرق الأوسط وبنيتها، أنها أهملت دور موقع «ويكيليكس» في كشف كثير من الوثائق الدبلوماسية، وهو أمر لا ينبغي تجاوزه لدى البحث في أسباب الحراك الجماهيري الذي حدث.

فبفضل وثائق «ويكيليكس» تمكن التونسيون من قراءة حقائق عن فساد النظام الذي يقمعهم، والموقع نفسه سمح للمصريين بأن يطلعوا على تفاصيل سرية عن نظامهم لا تقل فضائحية.

مع ذلك فإن دور «ويكيليكس» و«تويتر» و«فيس بوك» مجتمعة، قد يبدو باهتا أو أقل سطوة ربما أمام دور الفضائيات الإخبارية، وتحديدا قناتا «الجزيرة» و«العربية».. فملايين العرب ليس بمقدورهم أن يستخدموا تلك المواقع الإلكترونية، لكنهم جميعا يشاهدون التلفزيون والفضائيات. وهنا يفيد ربما الاستدلال بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي اعترفت قبل أيام بأن بلادها تخسر حرب المعلومات، فكلينتون انتقدت بقسوة الإعلام الأميركي وسطحية مقاربته واهتماماته، بينما كالت المديح لقناة «الجزيرة»، خصوصا الخدمة الإنجليزية منها، معتبرة أنها تقدم «أخبارا حقيقية».

إذا كانت التقنيات الأميركية قد أسهمت بطريقة أو بأخرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي في تزخيم التحرك الجماهيري وتنمية حركات التغيير والاحتجاج العربية فإن الأمر نفسه لا يصح البتة على وسائل الإعلام الغربية والأميركية تحديدا، ولا يعود الأمر فقط لكون التيار الغالب من العرب لا يشاهد تلك القنوات أو أن تلك القنوات لا تتوجه إليه بالأصل.

لقد طغت على مقاربات ذلك الإعلام للثورة في مصر وتونس الرؤية الإعلامية الأميركية للعالم بصفته عالما ينقسم بين خير وشر، تماما كما هي الأفلام الأميركية، فيها بطل مقدام يحارب عدوا شريرا، لكن البطل ينتصر في النهاية. فالإعلام الأميركي أو التيار السائد فيه يعكس الطريقة الأميركية في رؤية وفهم العالم من خلال عدسة وطنية تبعا للمفهوم الأميركي، وهنا يصح التذكير بأن السيدة كلينتون وهي تمتدح «الجزيرة» قد فاتها ربما أن بلادها لا تزال تقيد بث هذه القناة، بينما هي تنتقد سياسات الرقابة والمنع التي تمارس في بلد كإيران مثلا..

قد يكون بمقدور «العقل التقني» الأميركي الحديث أن ينسب لنفسه، وعن حق، دورا في مشهد التغيير الكبير والهائل الذي حدث في الشرق الأوسط، لكن هذه الثورات وكما تحتاج إلى تقنيات مسهلة وداعمة للتواصل فهي تحتاج صدى لرأيها ونقاشا وسعة صدر لا انحياز فيها، إذ لا يمكن تغطية ثورات عربية وزاوية التركيز تكاد تنحصر بمدى أثرها على إسرائيل ومصير العلاقة معها..

ثم إن سؤالا أخلاقيا بدأ يطرح على وسائل الإعلام الغربية، وهو سؤال مواز لسؤال بدأ يطرح على الحكومات الغربية أيضا يتمثل في سكوتها عن معدلات الفساد والاستبداد الهائلة التي كشفها سقوط نظامين حتى الآن..

diana@ asharqalawsat.com