المتحف المصري يشهد الثورة

TT

مضت ساعات ليل الجمعة 28 يناير (كانون الثاني) ثقيلة مضطربة بأحلام وكوابيس أراها وعيني مفتوحة وعقلي يسأل: كيف ستجد المتحف المصري غدا؟

ونهضت من الفراش لصلاة الفجر متظاهرا بأنني أستيقظ من النوم، وأنا في الحقيقة لم أنم أبدا، وبعدها جلست إلى مكتبي أحاول أن أشغل نفسي بأي شيء إلى حين وصول السيارة التي ستقلني إلى المتحف المصري.. انقضت ساعات وأنا أقرأ في كتاب العالم جيمس هنري برستد «فجر الضمير» يقول: «مصر وضعت لبنة الحضارة وشكلت الضمير الإنساني منذ آلاف السنين.. العلوم كلها بدأت من هناك حيث يجري النيل ويفيض بدلتا عظيمة ويعيش المصري الذي بدأ الكتابة ووضع لبنة العلم والحضارة يبني ويشيد ويصنع أول قرية يتبعها أول مدينة إلى ظهور الدولة الأولى الموحدة والنظام السياسي الأول في العالم..».

ارتديت ملابسي نحو الثامنة صباحا وتوجهت مسرعا إلى ميدان التحرير، كنت أنظر من نافذة السيارة فأرى بلدا غير ذلك الذي أعرفه.. الناس والعربات تمشي في كل الاتجاهات وليس هناك رجل مرور واحد ينظم هذا الفيض من البشر، وبمجرد الاقتراب من ميدان التحرير شاهدت عربات محترقة اختفت معالمها وبقت آثار معركة دامية ينطق بها الحطام، شاهدت ألسنة اللهب والدخان تتصاعد من المبنى العالي الذي يضم عدة هيئات وجمعيات ولا يفصله سوى سور الحديقة الغربية للمتحف المصري، وتنفست الصعداء أن هذا المبنى لا يزال قائما ولم ينهر بعد. وما هي إلا ثوان معدودة وظهر مبنى المتحف المصري سليما لم تمسه ألسنة اللهب، وحمدت الله على ذلك، وبقي أن أطمئن على الآثار بالداخل.

كانت حديقة المتحف المحيطة به ممتلئة بالدبابات والعربات المصفحة التابعة للقوات المسلحة، وصمت رهيب يخيم على المكان كله رغم حركة الجنود المدججين بالسلاح، ولكن الجميع كانوا يتحركون في صمت، ودخلت من باب المتحف وتوجهت مباشرة إلى مبنى الإدارة إلى أقصى يمين المتحف، وهناك استقبلني مدير المتحف الجديد، شاب لم يتعد الأربعين من عمره، ولم يكن قد مر عليه في منصبه أكثر من أربعين يوما.. وإلى جواره كان كبير الأمناء موجودا وأفراد أمن المتحف الذين يعملون داخل غرفة المراقبة بالإضافة إلى أربعة أفراد من شرطة المتحف بملابس مدنية، ومعهم قوة تأمين المتحف المصري من القوات المسلحة يقودهم شاب ملامحه تعيدك آلاف السنين إلى الوراء ترى فيها ملامح الملك «مينا» موحد القطرين و«أحمس» محرر مصر من الهكسوس و«تحتمس الثالث» صاحب الإمبراطورية المصرية و«رمسيس الثاني» القائد العسكري وصاحب معاهدة السلام الأولى مع الحيثيين.

جلست إليهم أستمع إلى تفاصيل هجوم المجرمين على المتحف المصري ليلة الجمعة 28 يناير 2011، الجانب الذي لم أكن أعرفه ولم تفصح عنه قنوات التلفزيون التي ركزت على حريق المبنى المجاور للمتحف وأعمال السلب والنهب لبعض المؤسسات والبنوك بالمنطقة بعد حالة غير مشهودة من الانفلات في كل شيء، لتعيش مصر وتسطر تاريخا جديدا، بدايته محنة شباب خرج يطالب بالحرية، ونهايته لم تكتب بعد.