كان وأخواتها

TT

انتقد ناقد بعض مراسلي فضائية محترمة لأنهم يخطئون في اللغة. قبل أن أقرأ ملاحظاته، كنت أتأمل هؤلاء الشبان في ساحات ليبيا وأقول في نفسي: كيف تمكنوا من الوصول إلى هناك؟ كيف تدبروا سفرهم؟ كيف يتدبرون إقامتهم؟ خصوصا كيف لا ترتج حناجرهم وأصواتهم وهم يبثون رسائلهم ومن حولهم الرصاص ومن فوقهم هدير الـ«سوخوي» وطلقات المدافع المضادة؟ ثم، بأي شجاعة وصمود يصورهم المصورون حاملين آلاتهم الثقيلة وبطارياتهم وأضواءهم؟

ألا يغفر لهم كل ذلك، في مثل هذه الظروف، إذا ما أخطأوا في أخوات كان؟ أول ما يخطر لي وأنا أتابع المراسلين في الأماكن الصعبة والشديدة الخطورة، هو مدى صمود المراسل وشجاعته. مررت شابا بمثل هذه الحالات وبأقل منها بكثير، وكنت أكابر على ما في داخلي من خوف، ولم نكن نقف أمام كاميرا وأضواء، بل كان كل ما علينا أن نعود إلى غرفة الفندق لكي نكتب منها ما جمعناه من انطباعات.

أبرز مشهد صحافي في تغطية الحرب من أجل ليبيا كان صورة كبير مراسلي الـ«بي بي سي» جون سمبسون يتحدث تحت القصف في مدينة «الزاوية»، بينما تنفجر القنابل من حوله. لقد تخطى الرجل الخامسة والستين وهو لا يزال يغطي حروب العالم لما يمكن أن يكون أكثر فضائيات الغرب استقلالية ومهنية. ومنذ 1970 غطى سمبسون أحداث 120 بلدا و30 حربا، في مهنة يتدرب عليها صاحبها بقدر ما يتدرب الجنود الذين يرافقهم.

لا تقل مهمة المراسل الحربي خطورة عن مهام المحاربين أنفسهم. وفي ظروف الانشقاق بين معسكرين كما في ليبيا الآن، تزداد المهمة صعوبة وتعقيدا، وتزداد أيضا مسؤولية الإدارة التحريرية. ولعل تجربة «العربية» في أحداث ليبيا نموذج على طبيعة هذه المسؤولية؛ فإن لها موفدا خاصا إلى طرابلس يقابل سيف الإسلام القذافي ويغطي الساحة الخضراء، ولها في الوقت نفسه موفدون إلى بنغازي وسواها يغطون تحرك الثوار.

ومما يعانيه المراسلون الضغط عليهم ومراقبة تحركاتهم. وقد روى مراسل إذاعة «بي بي سي» العربية أنه ليس مسموحا للصحافيين الأجانب بالتحرك في طرابلس إلا ومعهم «مرافق»، أي مراقب يحمي كلماتهم ويدون تحركاتهم ويمنعهم من زيارة الأمكنة التي يريدون أو التحدث إلى من يريدون.

لا يخطئ المراسل الحربي في عين المضارع، عن قصد؛ فما نعيشه نحن على الشاشة، يعيشه هو محاطا بعشرات الآلاف من الناس في ميدان التحرير، أو بين مدافع المقاتلين في صحراء برقة. وكلما أخطأ في أخوات كان، الرجاء أن تقيدوها على حسابنا.