وطني

TT

وطني الحبيب... السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد.

أسطر إليك هذه الكلمات بعد عودتي من زيارة خاطفة لجامعة جازان الفتية، وما شاهدته في ذلك الصرح أثلج صدري وأكد طمأنينتي إلى أننا سائرون على الجادة الصواب، فهاهي جامعة فتية لم يمض من عمرها ست سنوات ولقد بدأت تنافس زميلاتها في الجودة وبلغ عدد طلابها إناثا وذكورا الخمسة والخمسين ألفا.

وقد أبلغني مديرها أنها عقدت اتفاقيات مع جامعات عالمية في شتى العلوم للوصول بمعاييرها لتلك التي تتمتع بها أرقى الجامعات، إن هذا الإنجاز لو تم في دولة أخرى لهللت له صحافة العالم وأثنت عليه، وقدمت الجوائز الدولية لمن قاموا عليه من أبنائك وبناتك، وتعدى عدد كليات الجامعة الخمس والعشرين منها كلية الطب التي ستحظى بمستشفى تعليمي يتسع لثمانمائة سرير.

هكذا، يا وطني ترفع رأسي وتجعلني أقول للمرجفين ومطلقي الشائعات ومروجي الأكاذيب عنك: تفضلوا، ارجفوا وأطلقوا شائعاتكم وروجوا أكاذيبكم، فالقافلة تسير والكلاب تنبح.

نعم يا وطني، لقد نسي هؤلاء من أي معدن أنت، نسي هؤلاء أن قواعدك ثابتة، وشيدت بسواعد من حديد وأسست على أثبت وأبقى مبدأ، كلمة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولن يحيد أبناؤك وبناتك عنه.

نسي هؤلاء أنك حيث شيد أول بيت للناس للذي ببكة ومهبط الوحي وحيث مسجد رسول الله وحبيبه؛ فدينك الإسلام وبدون تشدق أو تصنع، فطاعة الله ورسوله تحكمك وهى دستورك وتغنيك عن كل ما يبرق من شعارات وترويجات من صنع البشر.

نسي هؤلاء أن عبد العزيز بن عبد الرحمن قاد أبناءك لوضع ملحمة التوحيد، دينيا وجغرافيا لتستوعب ومن داخل حدودك كافة أطياف المجتمع: من بدوي وحضري، نجدي وحجازي، وعسيري وشمالي، وسني وشيعي، وآسيوي وأفريقي، وشامي ومغربي، وعراقي وفارسي، وتركماني وكردي، وكل واحد منهم يفخر بكلمة: أنا سعودي.

نسي هؤلاء أنك انتقلت بأبنائك من همجية الغزوات والتناحر إلى حضارة الأخوة الإسلامية والشخصية الوطنية.

نسي هؤلاء أنك وفي برهة قصيرة من الزمن محوت آفات الجدري والسل والرمد وشلل الأطفال والتيفوئيد التي كانت تفتك ببناتك وأبنائك بالآلاف، وذلك من خلال برنامج صحي نموذجي يحوي الآن أرقى مستويات التطبيب، وتسعى لما هو أفضل لمواجهة النواقص التي لا تزال تواجه بعضا من مواطنيك.

نسي هؤلاء أنك على وشك محو الأمية لكل بناتك وأبنائك بعد أن كانت نسبتها منذ خمسين عاما أكثر من خمسة وتسعين في المائة من السكان، ولقد شاهدت منذ يومين، وفي أحد وديان جازان سيارات وزارة التربية والتعليم وهي تنقل بنات وأبناء ذلك الوادي من القرى التي في أعلاه وأسفله إلى مبنى المدرسة بوسطه، بالله عليك قل لي يا وطني أي دولة كانت غيرك، تتكفل بنقل بناتها وأولادها عبر الأراضي القفار والطرق الوعرة لكي ينهلوا من معين العلم؟

نسي هؤلاء أن جامعاتك اليوم أصبحت ترتقي سلم الجودة لتنافس مثيلاتها في العالم وأن بناتك وأبناءك تبتعثهم لأقاصي المعمورة في سبيل الاستزادة بالعلوم والمعرفة ليكونوا رسل محبة وحضارة يحملون نور الإسلام إلى الآخرين متحلين بأخلاقه وشيمه.

نسي هؤلاء أنك تخطيت محنة التطرف والغلو ثلاث مرات، الأولى في السبلة والثانية في الحرم المكي الشريف، والثالثة ما عشناه في السنوات الثماني الماضية، ولولا تمسكك بدينك وديدنك لتمزقت كالورقة الطرية.

نسي هؤلاء ما قذفك به عتاة الحملة الناصرية والاشتراكية عندما أحاطوك بدول نعتتك بالرجعية وقصفتك بالطائرات ودست لك الدسائس والمكائد.

نسي هؤلاء أنك وقفت شامخ الرأس عندما قارعت استهتار العدو الصهيوني وفرضت حظرك البترولي على الولايات المتحدة، ذلك الحظر الذي لولاه لماتت القضية الفلسطينية في حينها ولبقي العالم متجاهلا حق الفلسطينيين لدولتهم وعاصمتها القدس.

نسي هؤلاء وقوفك في وجه صدام حسين، وعندما تخاذل عنك أقرب أصدقائك وتكلم من تكلم بتقطيع أوصالك واغتنامها.

نسي هؤلاء أنك مددت يديك لإخوتك في العالم الإسلامي متضامنا معهم، تأخذ بيد الضعيف منهم لتواسيه وتؤسس لضعيفهم وقويهم منظمة إسلامية هي الآن ثاني تجمع دولي بعد الأمم المتحدة.

نسي هؤلاء أنك محوت من قلوب الفئات المتحاربة في لبنان الكراهية لبعض والضغينة وجعلتهم يؤسسون لسلام بينهم، وإن لم تكتمل بعد مسيرتهم السلمية فعلى الأقل لقد اندحرت الحرب الأهلية التي مزقت روابطهم وكادت أن تودي بكيان اسمه لبنان.

نسي هؤلاء أن مليكك المغوار هو من أرسى قواعد الحوار الوطني بين بناتك وأبنائك وهو الذي قدم مبادرته السلمية لتسوية الأمر بين العرب وإسرائيل، تلك المبادرة التي تبناها العالم ورفضتها إسرائيل والتي لا يزال العالم يعول عليها لحل عقدة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم للأراضي العربية، وهو الذي وضع هيئة البيعة لتضمن الانتقال السلس لخلافة الحكم، وهو الذي أمر في السنوات الخمس الماضية، وعندما توفرت الفوائض المالية في الدخل وبعد صدور ميزانية كل عام، بأن يضاف إلى بنود الميزانية مشاريع إضافية لما فيه صالح المواطن؛ وكان آخرها ما أمر به واعتمده مجلس الوزراء من اعتمادات لمواجهة عوز الفقراء الذين اتضح له، وبعد دراسة ما سبق وأن أنجز، بأن هناك حاجة للنظر في وضع هذه الشريحة من المجتمع، فأتت أوامره من تلقاء وضعه وليا للأمر وإماما للأمة ومكلفا شرعا، بصيانة مصالحها وتوفير رغد العيش لأفرادها.

وهناك تطورات وإصلاحات وإنجازات لك يا وطني مما نسيه هؤلاء، لو استطردت في ذكره لملأ مجلدات ومجلدات، ولكنني أختصر فأقول: إن كان هناك من أبنائك من أراد لك الفتنة والشغب والزوال وشق عصا الجماعة فاللهم جازهم على نيتهم وهناك مؤسساتك الشرعية والأمنية لتعالج ما يرمونك به. وأشهد الله أنك لم تبلغ الكمال وأن هناك مشوارا طويلا أمامك لتوفر لكافة بناتك وأبنائك كل ما يصبون إليه ولكنني أشهد الله أنك رسمت الطريق ووضعت اللبنة تلو اللبنة وخطوت الخطوة تلو الخطة على ضوء الشريعة المحمدية ومتفيئا بظلال دوحة السعود التي هي منك ولك وإليك.