البحرين.. حتى لا يكون الوطن هو الضحية

TT

الأحداث الجارية في مملكة البحرين اليوم ليست وليدة الساعة، وليست تقليدا لما حدث في بلدان عربية مثل تونس ومصر، كما يقول البعض، وإن كانت هذه الأحداث هي كعود الثقاب الذي أشعل الفتنة، حيث كانت النار تحت الرماد تلتهب، ويعلم بها كل من يعيش على أرض البحرين.

لقد كان المشروع الإصلاحي للملك حمد بن عيسى آل خليفة هو بداية لتحقيق كثير من الأهداف التي يحلم بها البحرينيون، حيث الدستور الجديد الذي يعطي حرية التعبير، وتشكيل الجمعيات السياسية، وتلك تجربة كانت نموذجا متميزا بين الدول المجاورة، إلا أن هناك من استغل هذا الوضع وهذه الحرية من مختلف الأطياف والاتجاهات لمآرب خاصة، وتحصنوا في جمعيات يرأسها قيادات ضيقو الأفق، لا يعرفون معنى للحوار، ويختزل عندهم الوطن في جمعيات ومصالح خاصة، وأخذوا يتسابقون في اغتنام الغنائم لمشروع جلالة الملك المفدى وكأن البحرين هي ملك لطائفة أو جماعة معينة، لم يفقهوا معاني الوحدة الوطنية ولا الديمقراطية وأبعادها وعامة الشعب يستغيثون ويتساءلون عن هؤلاء النواب الذين انتخبوهم؟ ماذا حققوا لهم من مكاسب معيشية؟

وبدل أن يهيئوا المناخ الذي يصلح للديمقراطية راح البعض يتسابق في اقتناء المراكز والمناصب لجماعته، بدل أن تكون عيونهم على الوطن، كانت عيونهم على مصالحهم الخاصة. نعم، إنهم قتلوا القتيل وساروا في جنازته، بدل أن تدفع الديمقراطية عجلة التغيير إلى الأمام أصبح التغيير يسير ببطء، وهذا ما صرح به ولي العهد في تلفزيون البحرين في 14 فبراير (شباط) يوم بداية الأحداث. نحن لا ننكر أن لكل جماعة حقوقا ولكن تحقيقها والبلوغ إليها يكون بأسلوب حضاري ومنافسة شريفة وليس بإقصاء الآخر. وأصبحت الساحة خالية للاتجاهات الأصولية والمذهبية من الطرفين اللذين استغلا الوضع طيلة هذه الفترة وعكفوا على تأجيج نار الطائفية بما يغذون به عقول الشباب من سموم طائفية خلال الأشرطة والندوات والمحاضرات ومواقع الإنترنت ودأبوا على استغلال حاجات الناس من خلال شراء الأصوات الانتخابية جهارا ونهارا والآن يطالبون الدولة بتهدئة الأوضاع ثم جاءت الأوضاع الخارجية في العالم العربي لتنعكس آثارها على كثير من الدول العربية وكانت منها البحرين: وهنا انكشف المستور وتفجرت الأوضاع.

ونؤكد أنها ليست نهاية العالم، فرغم ما حدث خلال الفترة الأخيرة من أعمال التخريب والعنف التي جعلت المخلصين من أبناء هذا الوطن في قلق وتوجس وخوف عما سيؤول إليه الوضع الأمني في هذا الوطن الذي لم يعرف في تاريخه إلا التسامح، هناك جانب آخر يجعلنا نتفاءل ونستبشر بغد مشرق لهذا الوطن الذي حجبته الرؤية الضبابية عند البعض لفهمهم للأحداث، ويتمثل هذا الجانب المشرق في الوحدة الوطنية التي تحققت في الميثاق وبالمقارنة مع أحداث التسعينات، نجد أنه خلال هذه الأحداث كان هناك إجماع على رفض لكل الأعمال الخارجة عن القانون، مما يؤكد لنا حقيقة أن هذه الأحداث وراءها عناصر غريبة عن المجتمع. فالجميع بدأ يتساءل عن الذي يبرر لنا ما يحدث! وخاصة أنه منذ تولي عاهل البلاد الحكم تحققت إنجازات كثيرة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولذلك كان السؤال عند الجميع: لماذا هذه الأعمال التخريبية؟ ومن يقف وراءها؟ ولكن كما يقولون رب ضارة نافعة حيث كشفت هذه الأحداث عن زيف الادعاءات الباطلة عن الوطن والتي وصل صداها للخارج. وعليه يجب أن يكون تفكيرنا إيجابيا ونشيد بهذه اللحمة الوطنية التي تحققت إلى حد كبير ومن هنا ما دام الوضع كذلك ليس من مصلحة أحد أن يعمل على صب الزيت على النار. فأسلوب التهدئة هو السبيل الأفضل حتى لا تعطى الفرصة لمن يريدون أن يستغلوا هذه الأوضاع لأجندة خاصة بهم. أو تمزيق الوطن إربا إربا.

من الطبيعي أن تتعدد الانتماءات والتوجهات الدينية والمذهبية والسياسية في مجتمع ما فهذه ظاهرة صحية، بيد أنه من المهم أن تفهم الجمعيات بمختلف أطيافها أنها يجب أن تكون مع الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع لا أن يفهم البعض هذا التعدد فهما خاطئا فهذا شيء يضر بالوطن، ويعمل على تفتيت اللحمة الوطنية، يجب أن نتقبل التعايش مع التعددية فهذا هو قدرنا أن نعيش في وطن واحد ونبتعد عن أسلوب إقصاء الطرف الآخر، وبعبارة صريحة نقولها إن النجاح الذي قد يحققه تيار معين أو جمعية معينة يجب أن يفهم منه أنه انتصار ونجاح للجميع فالوطن هو فوق كل المصالح والانتماءات الضيقة حيث إن الإشكالية التي عانت منها التجارب الديمقراطية ليس في مملكة البحرين إنما في أرجاء الوطن العربي هي فهم الديمقراطية على أنها إقصاء للطرف الآخر وهذا وضع حذر منه عاهل البلاد عندما قال في كلمته السامية: «لقد مضى زمن الفكر الواحد والمذهب الواحد والتفسير الواحد للحقيقة. فنحن نشهد الآن زمن التعددية والتسامح في رحاب الديمقراطية ودولة القانون، فلا إفراط ولا تفريط فهذه فلسفتنا وهذا نداؤنا».

ومن جانب آخر وحتى نكون موضوعيين وعمليين في التعامل مع الآثار التي قد تترتب على المرحلة الحرجة التي مر بها الوطن يجب أن لا نركن إلى الإجراءات الأمنية التي كان لها الدور الأكبر في التصدي للعناصر الخارجة عن القانون التي أضرت بالوطن ويجب أن تهتم الدولة بالوضع المعيشي وحاجات المواطن ولا تجعلونا نضع الشماعة على التدخل الخارجي فقط أو الفتنة الطائفية ونكرر أن البحرين بحاجة إلى حراك تنموي سريع في ظل تأزم الوضع يخدم جميع شرائح المجتمع.. حفظ الله البحرين ملكا وحكومة وشعبا من كل مكروه.

* رئيس قسم علم النفس بجامعة البحرين