حركة 20 فبراير

TT

«حركة 20 فبراير» هي «التنظيم» العفوي الشبابي في المغرب المنطلق من التواصل في الموقع الاجتماعي الدولي الشهير «فيس بوك». و20 فبراير (شباط) هو اليوم الذي شهد خروجا إلى الشارع في مظاهرات شملت 53 مدينة وقرية، واحتشدت فيها عشرات الآلاف من المتظاهرين. وتجدر الإشارة، بادئ ذي بدء، قبل الحديث عن الانتفاضة الشبابية العربية في صيغتها المغربية، إلى ملاحظة عامة تستحق الانتباه إليها. والملاحظة هي أن التظاهر والنزول إلى الشارع في المغرب، إن لم يكن من القوة والتواتر على النحو المعروف في الأنظمة الديمقراطية الكبرى وفي دول أوروبا الغربية خاصة، فإنه لا يعتبر حدثا استثنائيا ولا حدثا صادما، اللهم ما كان من امتداده ليشمل مدنا وقرى عدة في زمن واحد هو سحابة يوم 20 فبراير. هنالك في الشارع المغربي، في العاصمة خاصة وأمام مباني الحكومة في مناطق عدة من المغرب، اعتصام مع حمل لافتات مطلبية وشعارات احتجاجية، وهنالك في الشارع الرئيسي في الرباط، أمام مبنى البرلمان، مظاهرات واحتجاجات شبه يومية ينظمها المئات من حملة الشهادات الجامعية العاطلين عن العمل. مظاهرات لا تنتهي دوما، للأسف، بحركة سلمية، بل إن تدخل قوات الأمن ينتج عنه - في بعض الأحيان - ضحايا يصابون بجروح تتفاوت خطورتها. قد يجب التنبيه أيضا إلى أن المدن المغربية الكبرى (ومدينتي الرباط والدار البيضاء) ليست غريبة عن مظاهرات مليونية في بعض الأحيان متى كان الأمر متعلقا بقضايا تمس الوعي العربي - الإسلامي أو الوحدة الترابية المغربية. وقبل عشر سنوات أو أزيد قليلا شهدت الدار البيضاء مظاهرة حاشدة ضمت مئات الآلاف تأييدا لمدونة الأسرة (الإصلاح القانوني الذي شمل جوانب من الأحوال الشخصية والمتعلق منها بوضع المرأة في الحياة الزوجية وما يتصل بها). كما شهدت مظاهرة أخرى، تقل عنها قليلا من الناحية العددية، تعارض مشروع المدونة.

بيد أن هنالك اختلافا بينا، بل كيفي، في مظاهرات 20 فبراير أو، بالأحرى، في الحركة الشبابية العامة ليوم كان مشهودا في تاريخ المغرب وارتبط بحركة عفوية غدت تحمل هذا الاسم، وإن لم تكن لها رموز كبيرة أو أسماء طبقت شهرتها الآفاق. وعند هذا الاختلاف تلزمنا وقفة قصيرة قبل أن نقول في الحركة ذاتها (حركة 20 فبراير).

أول أوجه الاختلاف أن الحركة الشبابية انبثقت خارجا عن دعم الأحزاب السياسية في المغرب (إلا ما كان من أحزاب يسارية صغيرة من حيث عدد المنتمين إليها) مع توافر الأحزاب «الكبرى» (نعم، بتحفظ) على تنظيمات الشباب، وللمرأة - لا بل إن الدعوة إلى خروج 20 فبراير كانت في انتقاد من تلك الأحزاب للبادرة بلغ، عند البعض منها، حدود التشكيك فيها واتهامها بالخضوع لجهات غامضة أو خصم. أتت المساندة من بعض جمعيات حقوق الإنسان وتنظيمات المجتمع المدني وفعاليات شخصية خرجت للمجاهرة، مع المتظاهرين، بإدانة الفساد في التسيير الاقتصادي للبلد، وإدانة بعض أوجه الهيمنة على مناصب عليا في الدولة من قبل أشخاص لا تربط بينهم سوى روابط القرابة والمصاهرة (وهذه الانتقادات بعض من اللافتات التي رفعت في التظاهر في المدن المغربية). وثاني أوجه الاختلاف أن الحركة استطاعت، إلى حد ما، أن تنجح في الاستجابة لنداء التظاهر والخروج في يومي الأحد اللاحقين على يوم 20 فبراير - بمعنى أن أعداد المتظاهرين كانت أقل بكثير مما كانت عليه في اليوم، وإن ظلت المطالب والشعارات ذاتها. وثالث أوجه الاختلاف، وربما كان أخطرها من الناحية السياسية، هو أنها استطاعت أن تحدث رجة قوية داخل التنظيمات الشبابية في الأحزاب المغربية فقط، بل ومطالبتها، حينا، بمغادرة الائتلاف الحكومي والرجوع إلى المعارضة، وحينا آخر، المطالبة بالتعجيل بعقد مؤتمرات استثنائية ومطالبة القيادة بالتنحي. ومن جهة أخرى، سعت أحزاب مغربية إلى محاولة احتواء الحركة في تأييد تام لها، وفي القول إن المطلب الأساسي في الحركة الشبابية في المغرب هو المبادرة إلى إصلاح سياسي بواسطة إحداث تغيير عميق في الدستور الحالي في المغرب.

والآن، ما القول في «حركة 20 فبراير» ذاتها بعد ما حاولنا تبيين ملامحها كحركة شبابية يأبى البعض في المغرب إلا أن يرى النسبة فيها إلى الـ«فيس بوك» فيتحدث عن الشباب الفيس بوكي في حين تهمس بعض الأصوات بالحديث أن اليد العليا والعقل المدبر فيها يرجع إلى قوة أجنبية عظمى (أميركية - إسرائيلية) تسعى إلى إعادة ترتيب الأوضاع السياسية في العالم العربي برمته؟

لا غرو أن في العالم العربي ما سميته في حديث سابق بالتلوينات المحلية التي تتصل بالتركيبة الإثنية، وبالجغرافيا، وبالتاريخ المحلي، مما يجعل الأمر مختلفا في المغرب عنه في الجزائر ومصر والسودان وفي منطقة الخليج العربي وفي الشام والعراق. غير أن الأساس هو الاشتراك في القاعدة العريضة الواحدة (اللغة، والدين، والثقافة، والاجتماع) والاشتراك في النسبة المئوية العالية من الشباب في كل بلاد ذلك العالم، وهي التشابه في القضايا التي ترجع إلى الحرية والديمقراطية ووضع المرأة وحقوق الإنسان. وإذن فإن من السذاجة، إن لم يكن من العمى في البصر والبصيرة معا، أن يتحدث المرء عن استثناء في هذه المنطقة أو تلك.. ففي العالم العربي كما كتبت في هذه الزاوية قبل بضعة أسابيع. «أشياء تتحرك ولكن العمى في القلوب» ومن ثم فإن «حركة 20 فبراير» في المغرب بعض من كل سابق، وآخر سيكون بالضرورة لاحقا. والشباب وعي الأمة الحي وضميرها اليقظ، فهو يقوم بالتنبيه والتذكير من جهة، وهو، من جهة أخرى ثانية، يعبر عن الحياة وعن التطور، وفي العالم اليوم توق جارف إلى الحرية ومراجعة الماضي برمته. والحركات الشبابية في العالم العربي عامة اختبار لمدى قدرات نظمها السياسية ثم الاجتماعية على التأقلم مع الجديد الجارف واختبار لمدى صحتها وسلامتها. و«حركة 20 فبراير» في المغرب تنبيه وإنذار معا، وأحب، من موقعي كأكاديمي مهموم بالشأن المغربي ومقدر لعمق حركية يعيشها المغرب مند السنوات الأخيرة من تسعينات القرن الماضي، أن أقول إن الحركة ستصيب أهدافا بعيدة في تحقيق ما حملته من شعارات تدعو إلى إصلاح سياسي عميق يعمل على ترسيخ الملكية الدستورية على النحو الذي يرتضيه المغاربة (لا على النحو الذي يسعى إلى استيراد نموذج أجنبي)، ويسعى إلى تحريك الماء الآسن في محاربة فعلية للفساد في مظاهره المختلفة (الاقتصاد، والإدارة، وتدبير الشأن المحلي)، ويعمل على إحداث حركية فعالة في الجسد الاجتماعي السياسي (الأحزاب السياسية) على نحو يغدو به الحزب السياسي مجالا للتكوين واكتساب الخبرة وممارسة الديمقراطية وليس غير ذلك. «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».