لوركا تونس

TT

صدف أن الانتفاضة العربية الأولى كانت في تونس فلم يبق كاتب أو محدث إلا واستذكر بيت الشعر الذي رُفع في كل الثورات من قبل، وهو «وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق». وعلى الرغم من حياته القصيرة ونتاجه غير الوافر، ظل أبو القاسم الشابي بسبب هذه القصيدة، أشهر شعراء تونس، أو شعراء المغرب الأدنى، كما قال الراحل الدكتور عمر فروخ أحد أكبر أساتذة الأدب العربي في لبنان. وقد شرح الدكتور فروخ تسميات المغرب الثلاث فقال «كان العرب إذا ذكروا هذا البسيط المترامي قالوا: المغرب الأدنى علما على ما يقرب منه من المشرق وقاعدته القيروان، أو قالوا المغرب الأقصى علما على ما بعد منه عن المشرق. فالمغرب الأدنى إذن هو الجانب الشرقي من المغرب وهو ما يعرف بالقطر التونسي، والمغرب الأقصى هو الجانب الغربي ويعرف باسم المغرب فقط، أما المغرب الأوسط فهو الجزائر».

أعتبر الدكتور فروخ، الذي وضع مؤلفا من 350 صفحة بعنوان «الشابي، شاعر الحب والحياة» بأنه أفضل من كتب سيرة شاعر تونس. وسخر من السير الأخرى التي كتبها مؤلفون تونسيون وفند ما اعتبره أخطاء وأغلاطا. ولم يكتف بكتاب واحد عن الشابي بل كان قد وضع قبله كتابا يجمع بينه وبين الشاعر الفلسطيني قدري طوقان. لم تخطئ بعض الكتب التي قارنت بين الشابي وجبران خليل جبران. فقد عاش كلاهما في المأساة والعلة ومات في المرض. وقد عانى الشاعر التونسي من زواج غير موفق وقصة حب مريرة ووفاة والده مبكرا.

لكن «لم يمض عام واحد على زواجه، حتى اندفع في طلب سعادة موهومة في حب فتاة ظن فيها تحقيقا لأحلامه. تلك كانت أولى السيئات التي ظهرت في حياة الشابي من أثر جبران خليل جبران». هكذا يقول الدكتور فروخ الذي ينتمي إلى مجموعة من المعلمين الذين لم يكونوا ينظرون بعين التقدير إلى جبران خليل جبران، بل يرون فيه مجرد خارج على التقاليد وشاعر ركيك العبارة.

وأما مؤرخو الشابي الآخرون فيختلفون في قصص الحب التي عاشها وفي مراحلها أيضا، وإن اتفقوا على أن الفتاة التي توله بها ماتت باكرا، فكاد يحزن عليها حزنه على والده.

لا يبدو الشابي لي مثل جبران. بل هو، بسبب الخليط الرومانسي والوطني الذي تركه، وبسبب الحياة المأساوية والموت المبكر، أقرب إلى أن يكون غارسيا لوركا تونس.