الرجل الذي يعرف كثيرا جدا!

TT

ذهبت إلى الدكتور أسامة الباز مستشار الرئيس في مستشفاه. وكنت ثقيل القلب. مهموما مغموما - أنا الذي أتولى تعذيب نفسي. وعندي فائض لتعذيب الآخرين. واقتربت من صديقي وبلدياتي وقريبي أسامة الباز وقلت له: إزيك.. كويس.. متى ستخرج من المستشفى.. قريبا. وماذا في نيتك أن تفعل، أليس في إمكانك أن تبدأ ما اتفقنا عليه. أن تكتب مذكراتك. أنت الرجل الذي يعرف الكثير جدا.. والذي رأى وسمع وقال وقيل له وسافر وحمل رسائل وعاد برسائل وكان ما كان. وأنت مشهور في العالم كله. والأقلام تتناولك باحترام إلا في إسرائيل.قلت: أسامة جاء الوقت. لا بد أن تكتب مذكراتك. وكان عندي اقتراح أن نكتب معا كتابا ضخما.. فنحن في مواقع متشابهة. أنت قريب من مبارك وأنا قريب من السادات.. وقد رأينا وسمعنا وقلنا وقيل لنا وذهبنا برسائل هامة وعدنا برسائل أكثر خطورة. ولا بد من تسجيل كل ذلك. وأنت في كل مرة تقول: إن شاء الله.. ويبدو أن الله لم يشأ.. وأنت كسلان. وكانت معه زوجته الأولى السفيرة بوزارة الخارجية. وكانت معي في رأيي. وقالت سوف أساعده وأضغط عليه. ولكنه في كل الحالات يجيد كل وسائل الهرب. وهرب. لماذا؟ كيف؟ ومتى؟ كل هذه الأسئلة لا إجابة لها عنده..

قلت: اسمع يا أسامة نحن نعمل مع أناس أعصابهم من حديد. أنا عندي حكايات وأنت أيضا. إنهم كالجراحين على استعداد لإجراء أية عملية جراحية فتسيل الدماء وتتعالى صرخات الأهل والأصدقاء ويخرج الطبيب كأنه كان في حفلة لأم كلثوم. ولا حاجة يا أخي.. بمنتهى الصراحة.. أنت ضروري وأنا أيضا ما دمنا في صحة جيدة ولياقة فكرية. فإذا ما تعبنا.. مرضنا.. زهقنا.. أتوا بغيرنا.. وأنا مستعد أن أحكي لك الآن عشرين حكاية. أنت تعرف حكاية الوزير فلان.. والسفير علان والفريق واللواء والطبيب والمهندس والفقيه الدستوري..

آخر كلام يا أسامة ليس أمامنا إلا هذه المذكرات التي نحن انفردنا بها. وأنا بدأت أكتب وكتبت مذكرات السادات. وكتبت مذكراتي عن المفاوضات مع إسرائيل والمهام السرية التي كنت أقوم بها ولا يدري بها أحد لا وزير الخارجية ولا الداخلية ولا المخابرات ولا حتى رئيس الوزراء. أما كيف تلقى د. أسامة الباز هذه النصائح؟ الجواب: الحقيقة كان وجهه هادئا.. وهو هادئ وزوجته أيضا.. وهب النسيم يحمل كل روائح العقاقير للقضاء على كل مرض.. ففي المستشفى كل أنواع الأمراض اختفت إلا مرضا آخر هو اللامبالاة والقرف الذي لا يزال يلازم د. أسامة الباز وملايين الآخرين!

(من مذكرات لم تنشر)