تسلل حصان طروادة إلى ميدان التحرير

TT

تكرار هجوم البلطجية المسلحين على المجتمعين في ميدان التحرير له دلالات؛ أهمها أن نظام الحزب الوطني (الاتحاد الاشتراكي سابقا) لا يزال يقاوم بشراسة؛ مثل سرطان في جسم الأمة المصرية. الطبيب يقول «patient is in remission»، أي الجسم خلا من أورام السرطان التي يمكن رصدها بالتحليلات المتوافرة، ولا يقول «cured»، أي شُفي تماما.

نظام الحزب الوطني مثل السرطان، التأكد من القضاء التام على كل خلاياه لا يزال بعيدا عن متناول الطب الحديث؛ فقط يتم تمكين الجسم من عدم السماح للخلايا المختبئة بالعودة لسكن الأعضاء الحيوية وتعطيل عملها.

ولذا فلا مفر اليوم أمام الأمة المصرية من تحمل العلاج بجرعات إشعاع الراديوم والكيماوي العالية (التي تسقط الشعر وتفقد الوزن والشهية مع الآلام المبرحة) ثمنا لتحجيم ومحاصرة خلايا السرطان/ الحزب الوطني، ومنعها على المدى الطويل من الإضرار بالأمة.

أبطال وبطلات ثورة اللوتس عثروا مع بعض البلطجية على بطاقات الوظيفة التابعة لأمن الدولة والمباحث، أو بطاقة عضوية الحزب الوطني، أو الاثنتين معا. أما تصوير بعضهم في عربات الجيش يحملون الهراوات فأمر بالغ الخطورة.

مطلوب اليوم يقظة المصريين، حتى لا تفعل نشوة انتصار ثورة اللوتس بالرؤوس ما فعلته بأهل طروادة يوم رحل الإغريق أمام صمودهم الأسطوري، واستيقظوا من لهو حفلة النصر على صليل سيوف الأعداء يتسللون من بطن الحصان في قلب تحصناتهم، فكانت النهاية المأساوية.

حصان طروادة على وشك التسلل إلى حصن ثورة اللوتس بفرسان متعددين.

خلايا السرطان: الحزب الوطني وأمينه ونظام الأمن المركزي ومباحث أمن الدولة ووزير الداخلية السابق، متهمون (أو بعضهم) بافتعال الفتنة بين المسلمين والمسيحيين لتكون الفجوة التي يتسلل منها حصان طروادة.

وقد يمتطون الحصان العسكري أو حصان «الإخوان»، وغالبا سيقع اختيارهم على فارس انتهازي من الحركة «الحنجورية». فارس لم يكتف بالقسم علنا بالتصويت للرئيس المغيب في شرم الشيخ (لم نر صورة استقالة مبارك بتوقيعه)، بل أعلن استعداده لإدارة حملة الرئيس الانتخابية. أعلن هذا المرشح لركوب حصان طروادة عزمه الترشح للرئاسة، ملوحا برايات الديمقراطية التي اكتشفها حديثا.

ربما اعتقد أن المصريين نسوا دفاعه المستميت، ولسنوات، عن نظام صدام حسين. لم تصدر عنه أو مؤسسته العابرة للحدود كلمة واحدة ضد استخدام «البعث» الصدامي الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد، ومذابح الشيعة في جنوب العراق. وكان سدا منيعا أمام تطبيع بلدان العرب العلاقات مع شعب العراق الجديد وهو في أحلك أيام مقاومة الإرهاب، بحجة أن تحرير العراق جاء على يد الغرب؛ وهاهو اليوم، يدعو الغرب نفسه لفرض الحظر الجوي على ليبيا. والحسبة الانتهازية واضحة بأن شعب ثورة اللوتس لا بد أن يقف مع الشعب الليبي في ثورته.

أنصاره من «الوطني» سابقا (من الجنسين) يدعون له من منابر الفضائيات بأنه أفضل رئيس لمصر. وهو أخطر الأحصنة الطروادية على المحروسة؛ وقد يأخذ مصر إلى محيط نشاطه الحالي بمغامرات الناصرية العروبية (وثمنها حياة 35 ألف مصري في اليمن وآلاف في حرب 1967 للأسباب نفسها).

ومقال واحد لا يكفي لطرح الدروع اللازمة للحماية من الأخطار؛ ولذا نركز على بضع نقاط، ونؤجل الباقي.

الانتخابات لا تعني الديمقراطية.. فقد تعددت الانتخابات والنتيجة واحدة أيام «الوطني»/ «الاشتراكي».

انتخابات زيمبابوي، وفي إيران، وكل الجمهوريات العربية؛ دليل، فلا وجود لديمقراطية في أي منها.

ويجب أولا ترسيخ حكم القانون (الجيش لا يزال يقبض على الناس في ميدان التحرير والإسكندرية دون إذن من النيابة أو القضاء)، ومؤسسات المجتمع المدني، وحرية تكوين الأحزاب وحرية الكلمة يجب صيانتهما، وإلا فلا معنى للانتخابات، وستكون كالانتخابات التي أتت بحماس إلى غزة التي خلت من مؤسسات المجتمع المدني (غابت صحافة مستقلة تقدم للناخب عواقب أو مزايا انتخاب فئة معينة).

ومنذ قضاء الدولة البوليسية الناصرية (وبقاياها «الاشتراكي»/ «الوطني») على الصحافة الحرة، غابت عن مصر تقاليد الحملات الانتخابية الحرة، ولم يوجد في إذاعة وتلفزيون صفوت الشريف وأنس الفقي تقليد ندوات تمنح وقتا متساويا للأحزاب والمرشحين لشرح برامجهم. بل اختفت من الصحافة المصرية تقاليد مناقشة البرامج الانتخابية سواء لـ«الوطني» (فالتزوير والبلطجة يضمنان فوزه) أو للمعارضة التي خلت من الميزانية وبرامج تطوير الصحة والتعليم وغيرها، إذ إن البرامج مجرد شعارات (كالإسلام هو الحل، أو دعم القطاع العام كحل اشتراكي؛ أو الخصخصة وحرية السوق، إلخ).

ولذا فالقلق هو من استفتاء، بعد أسبوع واحد، على «تأييف»، وليس حتى تفصيل، دستور لم يكن على مقاس مصر أصلا. فالتأييف من الفعل «يؤيّف» والماضي «أيّف». إذا اشتريت بدلة «سكند هاند» من بائع الروبابيكيا (يقايض الملابس القديمة بأوعية طهي رخيصة)، ستجعلك تبدو كشخصية الصعلوك لشارلي شابلن لأنها بدلة أفندي آخر. ستأخذها إلى محل التنظيف والتأييف لتناسبك، وستفي بغرض ظاهري كتذكرة دخولك إلى أماكن الأفندية المحترمين، لكنها ستضايقك وتخنق أنفاسك، كما ستظهرك للعين الفاحصة أفندي مزيفا.

«تأييف» الدستور لم يناقش أصلا في ندوات علنية في غياب البرلمان، وأشباه الترزية مشكوك في مهنيتهم لأزياء القرن الـ21. التأييف بهدف مخالفة الدستور لمقاس محمد البرادعي، حول 18 مليون مصري لمواطنين درجة ثانية (جد أو أم غير مصريين، وبجنسية مزدوجة، والعيش خارج مصر لبضع سنوات).

وعي ثورة اللوتس يتطلب التصويت على الدستور «المتأيف»، ليس بنعم أو بلا، وإنما بالمصري الفصيح «مش عايزين تأييف، مطلوب دستور على مقاس مصر ويليق بوجاهتها»..

دستور مبسط بمادة أولى مفهومة لأي طفل في الابتدائي..

مصر (بلا صفات قبل أو بعد الاسم العريق الخالد) دولة مدنية يتساوى فيها الجميع، بلا استثناءات للجنس واللون والعقيدة والعرق ومحل الميلاد، في الحقوق والواجبات والحق في المناصب بالعمل أو بالانتخاب، أمام القانون الذي يحمي حريات التعبير والتظاهر السلمي والتجمع وإنشاء الأحزاب والجمعيات والحصول على المعلومات واختيار العقيدة أو تغييرها وممارسة شعائرها بلا إزعاج للآخرين؛ ويحرم الدستور تغيير أو إلغاء أو تبديل المادة الأولى التي تشترط عدم تعارض أي مادة أو قانون مع أي من مضامينها..

مادة ليست فيها نقطة (.)، أي جملة واحدة متصلة. والمحروسة مليئة بمحامين وفقهاء قانون يستطيعون صياغة دستور عظيم في ما لا يزيد على ثلاثين مادة. فالدستور الأميركي على مدى 220 عاما من إضافة المواد، آخر مادة أضيفت إليه هي المادة 27، عام 1992 (خاصة بتعويضات ودخول رجال الكونغرس)..

فخير الدساتير ما قلت مواده ودلت.