الشباب والعيال!

TT

في آخر تصريحاته الصحافية للدفاع عن نظام والده الدموي ودوره فيه، أظهر سيف الإسلام فظاظة وغلظة وقسوة مليئة بالأكاذيب عززت اعتقاد العالم الحر بأن هذا النظام يجب أن يسقط ويرحل. سيف الإسلام هو «رمز» واضح لمشكلة عويصة في أنظمة الحكم العربي، فهو كان «يصور» و«يسوق» بأنه أمل الإصلاح، وباني جسور التواصل مع الغرب، وصوت الحرية، وراعي علاقات الإصلاح المدني مع طوائف المجتمع، وأنه ضمير الشباب، ولكنه كان في الواقع فكرة مشروع تسويق سياسي لتأصيل الجيل الثاني من حكم القذافي، وتم ترويج هذه البضاعة للعالم على أن «الولد» هو الحل لمشكلات أبيه، تماما مثلما كان يروج لجمال مبارك بأنه عبقري الديمقراطية، ومفجر ثورة الإصلاح الفكري في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر (وذلك بحسب تصريح أحمد عز رجل الأعمال النافذ، وأحد أهم قادة الحزب وقتها) وكذلك كان يروج عنه بأنه هو جهبذ الاقتصاد الجديد، ورائد الفكر الجديد، وهو الذي سيحول مصر إلى أحد نمور العالم الاقتصادية، وأيضا كان يروج لصهر الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بأنه «دينمو» الشباب، وعبقري الصيرفة الإسلامية، والتاجر الموهوب المبارك، وأبو الإعلام الشبابي، لتكتشف الجماهير زيف هذه الشعارات، وأنها ما كانت إلا مطية للاستبداد والتسلط والتحكم والتعمق في الإفساد والفساد سخرت لأجلها أجهزة الدولة أجمعها، ورجال من وزارات ومن وسائل إعلام وأجهزة أمنية وحزب حاكم، الكل كان يسعى لتكريس مشروع توريث «الشاب» على حساب «الشباب» ورغباتهم الحقيقية العادلة.

تمت شخصنة المستقبل في صورة «الولد» الذي سوق أنه لا يوجد له مثيل بالبلد! الشباب همشت أصواتهم وسطحت مطالبهم، وتم تجاهلهم تماما حتى طفت على السطح الصورة الذهنية للولد المدلل ابن أبيه والمولود بـ«المعلقة» السياسية الذهبية في فمه حتى تم تأجيج الكراهية بين الشعوب وأنظمتها، وبين الناس وآمالها. الشعوب في هذه الدول ضربت أمثلة جميلة على الالتزام والمواطنة والسلمية، ولكن الأنظمة كانت عنيفة جدا ومهينة جدا ومحقرة جدا حتى آلت الأمور إلى ما آلت إليه، واليوم كأن المشهد يتكرر هو الآخر في اليمن في مشروع «توريثي» آخر، وتم تسليم مراكز القوى العسكرية بالتدريج لابن الرئيس في تحضير واضح لمشروع مستقبلي، الأمر الذي اضطر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أن يعلن بصريح العبارة أنه لا يوجد لديه مشروع توريثي أبدا! اليمن أكبر شعب مسلح، والمعروف أن عدد قطع الأسلحة بين الناس هناك يبلغ 70 مليون قطعة، ومع ذلك استمرت الثورة سلمية بشكل أذهل العالم.

اليوم من المفروض أن تكون قد اتضحت الرؤية وانجلت الحقيقة ليعرف الفرق بين طموح الشباب وتسالي الأولاد، والفرق بين رغبات كريمة لجيل من الشباب وألعاب سياسية يمنحها الرئيس لابنه على حساب الشعوب والدول. في دول الخليج يطلقون مسمى «الجهال» على الأولاد الصغار، وأجد هذا مناسبا جدا لوصف الحال الصبياني الذي كانت عليه المشاريع التوريثية التي دمرت تلك الدول.

[email protected]