الإساءة إلى الإصلاح

TT

لو أن جميع الأنظمة العربية التي لا تريد الإصلاح حقيقة اجتمعت لوضع خطة واضحة للإساءة لمفهوم الإصلاح لما استطاعت النجاح في خطتها مثلما تفعل الإدارة الأميركية اليوم من خلال تعاملها مع ما تمر به منطقتنا، خصوصا أننا لم نرَ تجربة واحدة تنتهج الطريق السليم إلى الآن.

أبسط مثال على ذلك ما قاله وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أمس بعد زيارته للمنامة، حيث قال إنه ينبغي على البحرين إجراء إصلاحات سياسية هامة وسريعة لوضع حد لأي تدخل إيراني. ويقول إن إيران قد تتدخل في الوضع السياسي البحريني بسبب الانقسام المذهبي بين المعارضة الشيعية والأسرة الحاكمة السنية! وهذا أمر عجيب، فهل البحرين هي فقط الأسرة الحاكمة السنية، والمعارضة الشيعية؟ أوليس هناك مواطنون سنة أيضاً؟ وهل الديمقراطية، والإصلاح، أصلا يتمان وفق المفاهيم الطائفية؟ فهل تقوم ديمقراطية أميركا، مثلا، على العرق أو الديانة، أم أنها تقوم على المواطنة وبرامج تخدم الدولة والمواطن؟

الأمر الآخر، فيما يتعلق بتسريع الإصلاح لكي لا تتدخل إيران، فلماذا لا يقال أيضاً إن على إيران الإسراع بإجراء إصلاحات وإلا تدخلت دول خليجية في شؤونها؟ أمر لا يستقيم بالطبع، لأن الإصلاح حاجة ملحة، ومطلب ضروري، ولكن وفق احتياجات كل بلد، ووفق واقعه الحقيقي، وليس من خلال قوالب جاهزة؛ فعندما نقول إن الأميركيين هم أكثر من يسيء للإصلاح اليوم فلسبب بسيط، فهاهي واشنطن تطالب بتسريع الإصلاح في البحرين، لكنها تطالب بالحوار والهدوء في اليمن، ومرتبكة في ليبيا، و... الخ، فهل واشنطن على دراية بما يحدث على الأرض، وتملك تأثيراً فعلياً، أم أن أميركا تعبر عن ضعف، وتحديداً تجاه إيران التي تعاني فيها الأقليات أشد معاناة؟

وكما أسلفنا مراراً بأن الإصلاح مطلب حقيقي تحتاجه كل دولنا، ولكن بلا تبسيط أو تعميم، والدليل أن أميركا ضغطت على محمود عباس، إبان فترة بوش الابن، لاجراء انتخابات، وقال يومها بوش إنه لو فازت حماس فسوف تعنى بمصالح الناس وتنظيف غزة.. ما الذي حدث؟ انقلبت حماس بالسلاح، وبدعم إيراني على السلطة الفلسطينية!

وفي العراق أسقط بوش صدام حسين، وقيل إن رياح الديمقراطية ستهب على المنطقة، فما الذي حدث؟ أصبحت إيران هي الراعي الرسمي للعراق، وتختار رئيس وزرائه مثلما تفعل في الديمقراطية اللبنانية المزعومة! والأمر نفسه في أفغانستان؛ فهاهي أميركا تخسر الدماء والأموال، ولا تزال إيران هي من له نفوذ هناك. بل هاهي أميركا تطارد الأموال الإيرانية، وشركات حزب الله الوهمية حتى في أوروبا، وأميركا نفسها، فهل تفعل إيران ذلك لأن الغرب بحاجة أيضاً للإصلاح؟

المراد قوله إننا نحتاج إلى الإصلاح، لكن وفق احتياجاتنا وواقعنا، ومن منطلق المواطنة، دون استثناء أو إقصاء، ودون ولاء للخارج سواء إيران أو أميركا أو غيرها، وذلك لكي لا تنهار دولنا، وتضيع مكتسباتنا، ولكف يد إيران بالطبع، وغيرها. فهل يتنبه الأميركيون اليوم إلى أنهم باتوا يسيئون إلى مفهوم الإصلاح، ويظهرون ضعفاً أمام إيران؟ هنا السؤال.

[email protected]