إنهم يضحكون لأسباب أخرى!

TT

لاحظت وأنا عند الحلاق أن كل الذين حولي يبتسمون أو يكتمون الضحك.. لا بد أن عندهم أسبابا. ولاحظت أن هذه الابتسامات تتواصل.. كرسائل سرية بينهم. ورأيت أن هذا طبيعي، فحياة الحلاقين مملة.. وهم يغسلون شعر الزبون، ثم يقصرونه، وبعد ذلك يجيء دور التلوين ووضع الزيوت والتجفيف.. مملة.. والضحك هو الإنقاذ الوحيد من هذه الدوامة.

وقد لاحظت بعد أن أفقت من البنج أن جميع الممرضين يضحكون وبصوت عال، وأن الطبيب لا يمنعهم بل أحيانا يتدخل معهم، لكن الممرضات والممرضين لا يتوقفون عن الضحك بصوت مرتفع.. مرة في القاهرة ومرات في باريس. وكنت أظن أن الضحك يجيء بعد أن يفرغ الطبيب من عمله، لكن الطبيب كان غارقا في عمله وهم حوله يتضاحكون ويتلامسون.. والطبيب كأنه ليس موجودا ولا مشغولا ولا ماضيا في إكمال العملية الجراحية..

والسبب أيضا هو الملل.. وهي عقدة أنهم ليسوا أطباء.. ويجيء الطبيب، وبعد دقائق تنتهي العملية، ويتقاضى الشيء الفلاني.. وهم ولا يورو!

وسألت الطبيب في إحدى المرات.. فكان جوابه: «طبيعي.. ضروري ألا يكون هناك توتر.. لا عندي ولا عندهم». وكنت قبل العملية قد رجوت الطبيب أن يضع فوقي أي عدد من البطاطين، فأنا أكاد أموت من البرد. وأفقت فوجدت الضحك والفرفشة والبطاطين إلى جواري وليست فوقي.

فماذا الذي أضحك الحلاق ومعاونيه الصغار وبعض الزبائن؟ حاولت أن أعرف، وسألت أحد الذين يتغامزون ويتهامسون، فأشار بيده إلى الفاترينة.. إنه الجانب الحريمي من الصالون!.. واندهشوا جدا. لكني لم أندهش، فأنا في بعض الأحيان يصيبني السرحان فأفعل ما يبعث على الدهشة والضحك.. والذي أدهشهم أكثر أنني جلست بدلا من زوجتي.. وعلى ذلك فقد تأجل موعدها إلى بعد غد.. فكان لا بد أن تذهب إلى كوافير آخر!