اتكل على الله ونظف السكاكين

TT

لقد كان على الفنان البولندي الشهير شوبان أن ينهض من فراش المرض محمولا بواسطة الأصدقاء ليعزف للنبلاء أو ليعطي دروسا في الموسيقى لكي يضمن قوت يومه، وقد كتب في مذكراته يقول: «ذات مساء أحسست قبل خروجي للعزف أنني مرهق ومحموم، ولم أستطع أن أنهض من فراشي، وناديت خادمي لكي يساعدني على النهوض. كانت يداي الساجيتان لا تتحركان، ومع ذلك كان علي أن أنهض، وأذهب لأعزف حتى أعود بعشرين جنيها». وكان على الموسيقي النمساوي «موتسارت» الذي كان يشتد عليه البرد فيضع يده في جواربه، ويواصل العزف للنبلاء ليحصل على قوت يومه حتى مات بداء الصدر.

ولعل أحوال جل الأدباء والكتاب والرسامين لا تقل قسوة عن أحوال الموسيقيين، فالمعاناة هي قدر المبدعين في عالم لا يعترف بقيمتهم إلا بعد الرحيل، فهذا الشاعر الكبير أمل دنقل - كما يقول صديقه الدكتور المقالح - كان يذرع شوارع القاهرة بحثا عن صديق يدفع له ثمن وجبة الغذاء! وكان الشاعر والكاتب، الراحل عبد الله باهيثم يأتي إلى مقر الصحيفة في آخر أيامه على كرسي متحرك ليكتب من أجل حفنة ريالات يلبي بها احتياجات يومه، وكان الأديب الأميركي «إدجار ألن بو» يسكن مع زوجته كوخا حقيرا ينامان فيه على فراش من القش، وحينما مرضت زوجته لم يكن لديه قيمة الحطب الذي يضعه في المدفأة، فكان يحمل قطته على النوم عند قدمي زوجته لتزيد من درجة حرارتها، ولم يختلف حال الأديب الكبير مكسيم غوركي عن حال الآخرين، فلقد أدركته حرفة الأدب فاضطر في بداياته إلى أن يعمل خبازا وسائسا وحفارا للقبور.

وفي إحدى الغرف الباريسية المهملة كان الأديب الكبير إميل زولا، والمصور سيزان يشتد عليهما الجوع فيقيمان الفخاخ على سطح الغرفة ليتصيدا العصافير، ويشوياها على لهب شمعة.

إنه الأدب - أو الإبداع عموما - الذي يحذرك منه الروائي العالمي وليم ماكس ثاكري قائلا «يا صديقي امسح الأحذية أو نظف السكاكين أو افعل أي شيء غير الاشتغال بالكتابة، فهي ليست تجارة ولا مهنة، ولكنها الحظ الأنكد».

[email protected]