رفسنجاني.. نهاية أم بداية جديدة؟

TT

عندما ترك هاشمي رفسنجاني منصبه كرئيس لمجلس الخبراء، تذكرت ما قاله هتشكوك، الذي طلب من أسرته، قبل موته عن عمر يناهز الثمانين، أن تحرق جثته وتنثر رمادها في المحيط الهادي. عندما سألته ابنته: «هل أنت بخير يا والدي؟». فابتسم وأجاب: «نعم.. لأنني عرفت متى ينبغي عليَّ أن أختفي عن الساحة». هذه قاعدة ذهبية ينبغي أن يعرفها كل ممثل أو مصور سينمائي، وهو الوقت الذي ينبغي أن يترك فيه الساحة. والسؤال المهم هو: هل ترك رفسنجاني منصبه في الوقت المناسب؟ هل هذه هي نهاية رفسنجاني، أم أنها بداية جديدة في حياته السياسية؟

ويبلغ رفسنجاني السابعة والسبعين من العمر، بحسب البيانات الواردة في بطاقته، لكن يقال إنه في الثمانين، أي في العمر الذي توفي فيه هتشكوك. نُشر أمس بيان غريب على الموقع الإلكتروني لمجلس تشخيص مصلحة النظام، على هيئة خبر عاجل، يشير إلى وفاة رفسنجاني، وأن الرئيس أرسل خطاب تعزية. وقال شقيق رفسنجاني ومدير مكتبه: إنه على خير ما يرام. لقد تم اختراق الموقع الإلكتروني ونشر ذلك الخبر عليه.

كان من المهم بالنسبة إليَّ التفكير في حياة وموت كل سياسي بمن فيهم رفسنجاني، فقد كان شخصية بارزة من شخصيات الثورة الإيرانية لأكثر من أربعة عقود. وكان من أقرب التلاميذ للإمام الخميني، وتولى منصب رئاسة البرلمان لأكثر من دورتين. وكان كذلك قائد الجيش إبان الحرب ضد العراق التي أجبرت إيران على خوضها. وكان رئيسا للجمهورية لدورتين، وتم تعيينه رئيسا لمجلس الخبراء لمدة أربع سنوات منذ عام 2007 إلى 2011. ويتولى منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام منذ عام 1989 حتى هذه اللحظة. لكن الأهم من ذلك هو أنه بعد وفاة آية الله الخميني، لعب دورا رئيسيا حاسما في اختيار خامنئي خلفا له. فعندما كان يرأس جلسة طارئة لمجلس الخبراء اقتبس قولا من أقوال الخميني وهو: «لقد سألنا الإمام الخميني عمن يمكن أن يخلفه فأخبرنا أن لدينا شخصا مثل خامنئي. الآن فليقف كل من يوافق على اختيار خامنئي مرشدا أعلى». لقد دشنت تلك اللحظة عهدا جديدا في تاريخ الجمهورية الإسلامية يمكن أن نطلق عليه اسم الجمهورية الثانية. وكانت الانتخابات الأخيرة في عام 2009 أشبه بفتح صندوق باندورا، الذي حرر كل الشرور لتعيث في الأرض، وبات رفسنجاني في موقف عصيب للغاية. لم يكن هناك أي سبيل للنجاة. ولم يكن يملك سوى خيارين، الأول: دعم الحكومة والمرشد الأعلى وقبول نتائج الانتخابات، والخيار الثاني: دعم الشعب الإيراني والدفاع عن حقه. وفي خطبة الجمعة الأخيرة اتخذ رفسنجاني قرارا تاريخيا، بالوقوف إلى جانب الإيرانيين، ليشكل معه بداية الجمهورية الثالثة وفصلا جديدا في حياة رفسنجاني. وكانت نقطة التحول في حياته محاضراته في صلاة الجمعة.

وفي يوليو (حزيران) عام 2007 تناول رفسنجاني في خطب الجمعة أزمة الانتخابات والاعتقالات الجماعية وقضية حرية التعبير. وشهدت خطب رفسنجاني حضور أعداد ضخمة للغاية تشبه تلك الأعداد التي كانت تحضر إلى الصلاة في أعقاب الثورة، شارك فيها إصلاحيون ومحافظون.

قال رفسنجاني: «يجب علينا جميعا، في المؤسسة الحاكمة والقوات الأمنية والشرطة والبرلمان، وحتى المتظاهرون، أن نعمل في إطار القانون.. ينبغي علينا فتح باب النقاش، وألا نزج بأبنائنا في السجون. يجب أن نردهم إلى عائلاتهم. من المستحيل أن نستعيد ثقة العامة في عشية وضحاها، لكن علينا أن ندع الجميع يعبرون عن أنفسهم. يجب علينا أن نجري مناقشات ودية ومنطقية وأن نترك للناس مسألة اتخاذ الحكم. وينبغي علينا أيضا أن نسمح للإعلام بالكتابة في إطار القانون وألا نفرض قيودا عليه. ينبغي أن نسمح لوسائل الإعلام بانتقادنا. وينبغي على قوات الأمن والشرطة والسلطات الأخرى أن توفر الأجواء اللازمة لذلك».

قال لي أحد أصدقائي تعقيبا على تلك الكلمات: «إن الثعلب الماكر يواجه أوقاتا عصيبة؛ فهناك ضغوط كبيرة على رفسنجاني لدعم موقف المرشد الأعلى واستخدام مصطلح فتنة لوصم الحركة الخضراء في إيران وإدانة مير حسين موسوي وكروبي. لكن رفسنجاني نجح في تجنب استخدام هذا المصطلح بذكاء بالغ، فقد كان يتحرك بذكاء بالغ بين معسكري المحافظين والإصلاحيين. ولعل أبلغ ما وصف به هو أنه صاحب عقل إصلاحي وقلب محافظ».

ويبدو لي أن اللعبة انتهت بالنسبة لرفسنجاني، وأن عليه أن يدفع ثمن موقفه المستقل. ففي أعقاب الانتخابات تم اعتقال ابنته فايزة، عضو البرلمان السابقة ورئيسة التحرير السابقة لصحيفة «زان»، ليوم واحد؛ حيث اتهمت بحضور المسيرات المعادية للحكومة. كما اعتقل ماراشي، مدير مكتبه أثناء توليه الرئاسة وعضو البرلمان الأسبق والنائب الأسبق للرئيس خاتمي، قبل عام ولا يزال في السجن.

كما أن ابنه مهدي قد غادر إيران، وبين الحين والآخر تعلن المحكمة الثورية أن عليه العودة إلى إيران، وعندما يعود سيزج به في السجن. ونتيجة لذلك يعيش مهدي بين لندن ودبي منذ ما يزيد على العام. وخلال الأسبوع الماضي تعرضت ابنته فايزة لعملية اعتداء من قبل قوات الباسيج. تم نشر الفيلم الخاص بالحادث على الإنترنت. وقبل أسبوعين استقال ابنه الأكبر محسن من منصبه كمدير عام لمترو طهران. وفي النهاية شنت الصحافة المحافظة هجوما على رفسنجاني منتقدة صمته.

كانت هناك رسائل قوية لرفسنجاني، لكن الرسالة الرئيسية كانت واضحة بأن عليه الرحيل، وكان آية الله مهدوي الشخصية الأنسب لشغل مقعد رفسنجاني كرئيس لمجلس الخبراء.

ولم يشارك رفسنجاني في انتخابات المجلس وفاز مهدوي من دون أي منافسة بـ63 صوتا من 86.

وكسياسي محنك وماهر عندما التقاه أعضاء مجلس الخبراء في مكتبه كرئيس لمجلس تشخيص مصلحة النظام، أثنى رفسنجاني على مهدوي كرئيس ذكي لمجلس الخبراء، لكن الجميع رأوا آية الله مهدوي يدخل إلى المجلس على كرسي متحرك، وترك المجلس مبكرا جدا. كان رفسنجاني قد فاز بمنصب رئيس مجلس الخبراء بعد الفوز بالانتخابات، لكنه الآن رئيس لمجلس مصلحة تشخيص النظام بالتعيين من قبل آية الله خامنئي. وعليه فإن الأيام العصيبة لا تزال بانتظار رفسنجاني، وهو ما يعني أنه لم تعد هناك أي مساحة للمناورة.